يسأل أحدهم (لماذا يطيل الله في أعمار أهل الشر، ويقبض إليه الطيبين؟).. والحقيقة أنه لو يعلم الناس أن هذه من رحمات الله علينا، لاستغربوا تمامًا، ذلك أن الله عز وجل يُمهل الظالم ويطول في عمره ليتوب، ويأخذ الهين اللين الطيب رحمة به، حتى لا تملأ الدنيا قلبه، فيميل ويحيد عن أمر الله.

 أيضًا على الجميع أن يعلم تمامًا أن سنة الله في إهلاك الأمم الظالمة بسبب ظلمهم قد توقفت، والدليل على ذلك قوله تعالى، « وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » (القصص: 43).

فالله عز وجل لا يؤاخذ الناس بأعمالهم اللحظية، وإنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، قال تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ»، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» (فاطر: 45).

أجل محتوم

لكن من ضروريات إسلام المرء، أن يعلم يقينًا أن أخذ الله قادم لا محالة، قال تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ» (الحج: 48)، إذن هو يمهل الظالم، حتى إذا أخذه، لم يفلته.

عن سيدنا أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثم تلى قوله تعالى: «وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» (هود 102).

بل المتأمل في سنن الله الكونية يُدرك أنه قد لا يُعاقب الظالم المعتدي في الدنيا بالمرة، ولكن يؤخر عقابه إلى الآخرة، وهذا في حق الأفراد لا الأمم.. فالمسلم الكيس الفطن يدرك تمامًا أن هناك عقاب، ويعود من فوره إلى الله عز وجل، ولا يترك الأمور للقصاص يوم القيامة، لأن الأمر حينها سيكون لا مناص، وقد لا يسامح أحد، فتكون النتيجة كارثية.

اقرأ أيضا:

عقوق الأبناء.. قبل أن يتحول إلى عادة مدمرة!

إمهال للرحمة

إذن، فإن معاجلة الله المعتدين الظالمين بالإهلاك ينافي رحمته تعالى في الصبر على الظالم والمعتدي، وإعطائه الحجة تلو الحجة، والفرصة تلو الفرصة، فمن الآيات الدالة على تأخير العقوبة وإمهال الظالم رحمة به؛ بغية توبته وأوبته، قوله تعالى : « وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ » (الرعد:6)، وقوله تعالى : «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ» (الكهف: 58).

لكن في النهاية على كل مسلم أن يحذر جيدًا من دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، فعن مُعاذٍ رضي الله عنه، قال: بعَثَنِي رسولُ اللَّه صلى الله علهي وسلم، فقال: «إنَّكَ تَأْتِي قوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب، فادْعُهُمْ إِلَى شَهَادة أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّه، وأَنِّي رَسُول اللَّه، فإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْترضَ علَيْهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ فَأَعلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْتَرَضَ عَلَيهمْ صدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغنيائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرائهم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ فَإِيَّاكَ وكَرائِمَ أَمْوالِهم، واتَّقِ دعْوةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْس بَيْنَها وبيْنَ اللَّه حِجَابٌ».