يبدو من الملاحظ في الآونة الأخيرة، التراجع عن الإمساك بالمصحف الشريف ومراجعة كتاب الله، فبعد أن كنا نشاهد الشباب والشيوخ والفتيات وفي أياديهم كتاب الله كل يتلو ويرتل في وسائل المواصلات والأتوبيسات ومترو الأنفاق والقطارات.، إلا أن هذا المشهد أصبح يتلاشى بعض الشيء في الوقت الحاضر، إذ نادرًا ما نجد شابًا يقف ممسكًا بكتاب الله يقرأ خلال فترات الانتظار هذه.
فقد يمضي الإنسان وقتًا طويلاً في فترات انتظاره لوسائل المواصلات وفي الطوابير، دون أن يستفيد من هذا الوقت الطويل الذي يمضي دون استفادة، فلا حصلت من هذا الوقت المنقضي دنيا ولا دين، بالرغم من أن كتاب الله تعالى يفيض على المسلم من بركاته ما يفتح له الأبواب المغلقة ويعلمه الحكمة ويأمره بحسن الخلق وحسن التصرف في كل أمر من أموره.
كما أنه من بركات الله تعالى علينا أنه أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا مباركًا، وأقامه لنا كمشعل ونِبْراس لمعالم طريق حياتنا في الدنيا وإلى الآخرة، وهو كتاب لما استمع إليه نَفَرٌ من الجن قالوا: إنا سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرشد، وأسرعوا إلى الإيمان به، ودعوة قومهم إلى هدايته، كما سجَّله القرآن نفسه في آياته.
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسنات لذلك أمرنا الله تعالى أن نتمسك بهذا الكتابه العظيم، «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»، ( سورة الإسراء: الآية 9)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن: ((إنَّ اللهَ يرفَعُ بهذا الكتابِ أقوامًا، ويَضَعُ بهِ آخرين))، فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: أن الأمة إن تُرِد العزة والمجد في هذه الدنيا فعليهم أن يتمسَّكُوا بالقرآن حقَّ التمسُّكِ.
وقد أثبت السلف الصالح من هذه الأمة أن القرآن الكريم قادَهم إلى رأس القمة والمجد والرفعة، ورسم لهم ولأمتهم خارطةً واسعةً لا تغرب شمسُها على العالم، وكان المصحف في قلوبهم وبأيديهم، وكان القرآن أمامهم هاديًا ومرشدًا، فكان القرآن لهم جليسًا وأنيسًا، كانوا معتكفين على تلاوته وتعليمه ونشره، والدعوة إليه، والعمل به في السِّرِّ والعَلَنِ.
وكنا نحن أيضا نتلمس بالقرآن طرق الخير، فما إن نتمسك به إلا ونجد بركاته تفيض علينا من كل مكان، قال أحد السلف- وهو أبو الزناد-: كنت أخرج من السَّحَر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أمر ببيتٍ إلا وفيه قارئ يقرأ القرآن.
ولكن للأسف أن نرى المسلمين الذين كانوا يتغنون بالقرآن في كل مكان، يتراجعون عنه، والأمة التي كانت معتكفةً على تدبُّر آيات القرآن تبتعد عن نور القرآن وهدايته يومًا يومًا، فأين مصحفنا الذي كان لا يفارق حقائبنا وأيدينا في كل وسائل المواصلات وفي دقائق الانتظار، متى كانت آخر مرة عانقت فيها آية من آيات مصحفك، وانغمست في قعر كلمة من كلماتها، واستخرجت نورًا وهداية منها؟ هل عثرت على آية كريمة تُحبُّها من المصحف أكثر؟ ما هي الآية التي تجعلك تطمئن وأنت في أمواج المشاكل في حياتك؟.
قال الله تعالى في القرآن: ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ [الذاريات: 9]، يقول بعض العارفين: أي: يصرف عن القرآن مَن صرفه الله عقوبةً له بسبب ذنوبه، وإعراضه عن الله تعالى، آية يجب أن تسوقنا إلى رحاب القرآن من جديد، وأن نعتكف على تدبُّره بنشاط ورغبة.
لذلك ينبغي علينا أن نتعلَّقْ بالقرآن حتى تجِد البركة، قال الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ [ص: 29]، وقال بعض المفسرين: اشتغلنا بالقرآن، فغمَرَتْنا البركاتُ والخيراتُ في الدنيا.
فمن آثار هجر القرآن الكريم :
- كثرة الهمّ والحزن في الحياة.
- إظلام النفس، ووحشة القلب.
- قلَّة بركة الرزق، فيشعر أنَّ الرزق رغم وفرته باستمرار لا بركة فيه أبدًا، وأنَّه لا يكفي حتى معاشه اليومي.
- نفور في العلاقات الاجتماعيَّة .
- اضطراب النفس، والشعور بالتوتر.
فعلى المسلم أن يجعل للقرآن الكريم نصيبًا مهمّا في برنامج حياته اليومي، فلا يكاد يمضي يومه دون قراءة ولو بضع صفحات منه، و تدبُّر معانيه، وحفظ ما يستطيع من سوره وآياته، وإحيائه الليل بما يحفظ من كتاب الله، والوقوف عند أحكامه، و تعلُّم تلاوته.