يقول الله تعالى في سورة الفرقان: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ".
كلمة سيقولها يوم القيامة الخاسرون، المفرطون، الخائبون، المفلسون، بعد أن قبلوا بأن يُخدعوا في الدنيا برضاهم وهم بكامل قواهم العقلية، سعيا وراء شهواتهم الفانية، وجريا وراء الدنيا الخادعة، ليروا الحقيقة عين اليقين يوم القيامة، فيقولون قولتهم: (يا ليتني كنت تراباً) سورة النبأ.
يومئذٍ تأكل الحسرة قلبهم، ويقتلهم الندم، فيعض الظالم على يديه على الفرصة التي فاتته فلم يتبع سبيل الرسول عليه الصلاة والسلام، بعدما استجاب لقرناء السوء يوغرون صدره ليقبل على المعصية، ويحولون بينه وبين نور الحق، قال تعالى ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: "إذا كان يوم القيامة مُدَّت الأرض مدَّ الأديم، وحَشرَ اللهُ الخلائق، الإنسَ والجنَّ والدواب والوحوش، فإذا كان ذلك اليوم جعل الله القصاص بين الدواب، حتى تقتص الشاة الجماء من القرناء بنطحتها، فإذا فرغ الله من القصاص بين الدواب، قال لها: كوني تراباً، فتكون تراباً فيراها الكافر، فيقول: يا ليتني كنت تراباً".
اظهار أخبار متعلقة
لماذا يتمنى الكافر أن يكون ترابًا؟
فالذي يتمنى يوم القيامة أن يكون تراباً، كأنه يتمنى أن لو كان حيواناً، يُعلف ويُركب وربما يُؤكل، لأن الحيوانات بعد الاقتصاص من بعضها البعض يوم القيامة، يجعلها الله تعالى تراباً، فعندما يرى الكافر هذه النهاية التي يراها سعيدة بالنسبة لأمثاله، لهول العذاب الذي ينتظره ويراه بأم عينه يتمنى لو أنه كان تراباً.
فتصور أنك بغفلتك هذه ومن غير أن تدري نتيجة الفزع الذي ستفزعه يوم القيامة، وضعت نفسك مقام الحيوان في حياته الدنيا، لأنه لم يستخدم عقله في التمييز بين الحق والباطل، ولم يفرِّق بين لذة عبادة الله تعالى وبين مرارة معصيته، ولم ينصاع لنداء الفطرة التي جعلها الله تعالى في قلبه بأنه يحب الفضيلة ويكره الرذيلة.
إتيان المنكر رغم النهي عنه
وأيضًا يندم الذين كانوا يلبسون ثوب الفضيلة ويلتزمون المنكر، فعن أسامة بن زيد - رضى الله عنه-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابُه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
يتمنى المنافق أن يكون تراباً وكان يلبس ثياب الدين والتقوى، ليخدع الناس ويأكل أموالهم بالباطل، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾[التوبة: 34-35].
وأولئك الذين اشتغلوا في الدنيا بالغيبة، فيطعنون في شرف هذه وعفَّة تلك، وفي نُبل هذا وصدق ذاك، وكرم هذا وبخل ذاك، هؤلاء سيتمنون لو كانوا تراباً، فعن أنس بن مالك -رضى الله عنه-، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم".
وتأتي الطامة الكبرى على كل من في نار جهنم، حتى أولئك الذين كانوا يمنّون أنفسهم في الخروج منها، فقد انتهت الشفاعات، وتبددت كل الأحلام، وبدأت حالة الخلود، فيتمنون لو كانوا تراباً، فتأكل قلوبهم الحسرة، ويفتت أحشاءهم الندم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39].