كيف تحقق الانضباط الشخصى والسيطرة على رغباتك؟
دروس مهمة في تحقيق الانضباط الشخصي نتعلمها من غزوة تبوك
كيف استقبل الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك قبول الله توبتهم؟
أهم درس في الحياة نتعلمه من سيرة النبي
شدد الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي على أهمية تحقيق الانضباط الشخصي والسيطرة على الرغبات الشخصية في ضوء احتياجات المجموع الصعبة.
وأبرز خالد في الحلقة الخامسة والعشرين من برنامجه الرمضاني "نبي الإحسان"، درسًا جديدًا في الحياة نتعلّمه من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعرف من خلاله معنى الانضباط الشخصي وأهميته في سلوكنا، في انضباط المواعيد، والجدية، والتركيز، دون تهاون أو استخفاف.
وقال إن غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة، سماها الله تعالى في القرآن “العُسرة” لما فيها من مشاق، وكانت تعد اختبارًا للمسلمين في الانضباط النفسي والوطني والإرادة، ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن الروم يتأهبون لقتال المسلمين، بجيش قوامه 40 ألف مقاتل، وقيل 200 ألف، للقضاء على الإسلام، وغزو حدود العرب الشمالية، فقرر التحرك بجيش المسلمين لملاقاتهم.
وأضاف: بلغ عدد جيش المسلمين 30 ألف مقاتل، وكان كل ثلاثة من الصحابة يتناوبون على ركوب بَعير واحد في المسير إلى "تبوك" التي تبعد ألف كيلومتر عن المدينة، وضرب الصحابة أروع الأمثلة في البذل والعطاء وعلى رأسهم عثمان بن عفان، وأسهمت النساء بالصدقات والحليّ، لكن هناك من لم يجد شيئًا يجاهد عليه ولا ينفقه، فحزن حزنًا شديدًا، "وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ".
لكن الروم تراجعوا وألغوا فكرة الحرب، ولم يخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك حتى لا يقطع كل هذه المسافة ويتكبد هذه المعاناة الشديدة، لأنه اختبار في الانضباط النفسي والإرادة لـ 30 ألفا كانوا يحتاجون للعيش مدة طويلة مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته ليعدهم. فقد كانت مدة الغزوة 50 يومًا (15 ذهابًا، ومثلها عودة، والإقامة بتبوك 20 يومًا).
وذكر خالد أن بعض الصحابة كادوا يفقدون انضباطهم، مثل أبوخيثمة، الذي تأخر يومين بعد خروج الجيش، وكانت له زوجتان، جاءهما يومًا فوجد كل واحدة منهما قد رشت عريشها بالماء، وبردت له الماء ووضعت له الطعام. فلما رأى ذلك بكى وقال: أواهُ أواه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر والريح، وأبو خيثمة في الظل والماء البارد، والله ما هذا بالنصف.
ورأى أنه لو تخلف عن اللحاق بالجيش لعُدّ من المنافقين، قال: والله لا أذوق شيئًا حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. فهيأ زاده وهيأ راحلته وانطلق وحيدًا، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأدركه قرب تبوك، وراءه الناس فقالوا: ركب مقبل يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة، كن أبا خيثمة، قال الصحابة هو أبو خيثمة. فدعا له صلى الله عليه وسلم.
بينما تأخر أبو ذر، بعد أن أبطأ به بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، وخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده.
الثلاثة الذين تخلفوا عن غزة تبوك
وأشار خالد إلى أن غزوة تبوك ترتبط بموقف شهير خلده القرآن الكريم، وذلك عندما تخلف ثلاثة من الصحابة عن الغزوة، وهم: كعب بن مالك ومرارة بن ربيع وهلال ابن أبي أمية.
يقول كعب: غزا النبي صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة، حين طابت الثمار، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجهز المسلمون معه، ولم أتجهز وأقول في نفسي سألحق بهم حتى إذا خرجوا ظننت أني مدركهم، وليتني فعلت، فلما انفرط الأمر، أصبحت وحدي بالمدينة لا أرى إلا رجلاً مغموصًا عليه في النفاق - أي مشهورًا به - أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد راجعًا من تبوك حضرني الفزع، فجعلت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخط رسول الله؟ واستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، زال عني الباطل، وعلمت أني لا أنجو منه إلا بالصدق، فأجمعت أن أصدقه.
فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة بدأ بالمسجد وجلس للناس، فجاء المخلّفون وجعلوا يعتذرون له ويحلفون، فيقبل منهم ظواهرهم ويستغفر لهم، وكانوا بضعًا وثمانين رجلاً، فجئت فسلمت عليه، فتبسم تبسم المغضب، فقال لي، ما خلفك؟ قلت: يا رسول الله والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا، لخرجت من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك.
يتابع كعب روايته لما حدث، فيقول: فخرجت من عنده فلحقني بعض أهلي يلوموني على أني لم أعتذر، ويستغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى هممت أن أرجع عن صدقي، فسألت هل قال أحد بمثل ما قلت؟ فذكروا لي رجلين صالحين: مرارة بن الربيع وهلال بن أبي أمية وكان فيهما لي أسوة.
ثم إن رسول الله نهى عن محادثتنا نحن الثلاثة، فاجتبنا الناس، وتغيروا لنا، فتنكرت لي نفسي والأرض، أما صاحبيّ فاستكانا وقعدا في بيتيهما، أما أنا فأصلى مع المسلمين وأطوف الأسواق ولا يكلمني أحد حتى أقاربي.
بينما أنا في هذا الحال إذا جاءت رسالة من ملك غسان يقول لي: الحق بنا نواسيك بعد أن هجرك صاحبك، قلت: هذا من البلاء أيضًا، فحرقت الرسالة، فلما مضت أربعون ليلة إذ رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني باعتزال امرأتي فقلت: الحقي بأهلك، وكان الأمر باعتزال النساء لصاحبيّ أيضًا.
تحقيق الانضباط الحياتي وبناء الإنسان
وعلق خالد: كان العقاب شديدًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد بناء الإنسان، وتحقيق الانضباط الحياتي هو جزء من بناء الإنسان، فكان الجزاء من صنف العمل، وكانت المدة التي قاطعهم خلالها المسلمون هي مدة الحرب نفسها.
فلما مضت خمسون ليلة، أذن الله بالفرج وجاءت التوبة، قال كعب: فما أنعم الله علي بنعمة بعد الإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، والله ما أعلم أحدًا ابتلاه الله بصدق الحديث بمثل ما ابتلاني.
والآيات التي نزلت في توبتهم هي قوله تعالى: "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ".
وأوضح خالد، أن هذه الآيات نزلت في صلاة الفجر، وكان كعب بن مالك يصلي الفجر على سطح منزله بسبب شدة همه وحزنه، فلما نزلت الآيات بالتوبة، انطلق رجلان، أحدهما ركب فرسًا، والآخر صعد فوق جبل، يقول كعب: "فقام الذي على الجبل فقال: يا كعب بن مالك أبشر، تاب الله عليك، فكان الصوت أسرع من الفرس".
يقول كعب: "فكنت على سطح بيتي، فسجدت شكرًا لله عز وجل"، فوصل إليه الرجل الذي ركب الفرس، يقول: “والله ما كان عندي إلا عباءة واحدة، فخلعتها وألبست البشير إياها، واستعرت عباءة من أبي قتادة، ثم انطلقت إلى المسجد، يتلقاني الناس في الطريق أفواجًا، يُسلّمون علي لِيهنك توبة الله عليك يا كعب، حتى دخلت المسجد فرأيت النبي، فابتسم إلي كأن وجهه قطعة من القمر، وكنا نعرف إذا ابتسم النبي وهو فرِح كأن وجهه كالقمر، فقال لي: تعال، فقدمت حتى جلست بين يديه، فنظر إليَّ وقال: أبشر يا كعب بخير يومٍ طلع عليك منذ ولدتك أمك، تاب الله عليك، فقلت: يا رسول الله، إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي بصدقة، فقال له النبي: أمسك عليك بعض مالك، وإن من توبتي ألا أُحدث يا رسول الله بعد اليوم إلا صدقًا فإنما نجاني الصدق، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ".
شاهد الحلقة: