بقلم |
فريق التحرير |
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 - 06:06 ص
تُعدّ الصدقة من أجلِّ العبادات التي رغّب فيها الإسلام، لما فيها من تحقيق للتكافل الاجتماعي، وتزكية للنفس، ودفع للبلاء وجلب للبركات. غير أنَّ إخفاء الصدقة يظلّ بابًا أعظم أجرًا وأرفع مقامًا؛ لأنه يجمع بين الإخلاص لله تعالى، والتحرُّز من الرياء، والحرص على كرامة المحتاجين. وقد جاءت النصوص الشرعية لتؤكد أن الصدقة الخفية أحبُّ إلى الله وأعظم أثرًا في الدنيا والآخرة.
أولاً: معنى إخفاء الصدقة
إخفاء الصدقة هو أن يبذل المسلم ماله للمحتاجين دون أن يطّلع على ذلك أحد، ودون أن يذكر فعله أو يُظهر عطاياه طلبًا لمدح الناس أو ثنائهم. وهو سلوك يعكس صدق النية، والوعي بأثر الطاعة الخالصة في تهذيب النفس.
ثانياً: النصوص الشرعية الدالة على فضل الصدقة الخفية
جاء القرآن الكريم ممتدحًا الذين يُخفون صدقاتهم، ومن ذلك قوله تعالى:
فالآية صريحة في أن الصدقة الخفية خيرٌ من الجهرية، لأنها أقرب للإخلاص وأبعد عن الرياء.
وفي الحديث الشريف، عدّ النبي ﷺ صاحب الصدقة التي «تُخفيها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» واحدًا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو شرفٌ عظيم يدل على مكانة هذا العمل عند الله.
ثالثاً: فوائد إخفاء الصدقة في الدنيا
1. الإخلاص لله تعالى: فالمؤمن لا ينتظر مدح الناس ولا ثناءهم، بل يبتغي وجه الله وحده.
2. السلامة من الرياء: إذ إن إخفاء العمل يحجب عن النفس مدخل الشيطان الذي يزين لها حب الظهور.
3. حفظ كرامة الفقير: فالكثير من ذوي الحاجة يتألمون من إظهار فقرهم، ويُعدّ إعطاؤهم بالستر أدبًا ورفقًا ورحمة.
4. جلب البركة ودفع البلاء: فقد جاء في الأثر أن الصدقة السرية تمحو الخطايا وتدفع غضب الرب.
رابعاً: فضل إخفاء الصدقة يوم القيامة
يوم القيامة يوم الشدة والكرب، وفيه يبحث الناس عن ظل ورحمة وأمان، وقد وُعد صاحب الصدقة الخفية بأعظم ما يُرجى: الظل الإلهي.
فالإنسان الذي ينفق بصدق وإخلاص يُكرمه الله يوم القيامة بمقام عالٍ، وتكون صدقته سببًا في نجاته من أهوال ذلك اليوم العظيم.
كما أن الصدقة تُطفئ غضب الرب، وتكون حجابًا لصاحبها من النار، وتجلب له الميزان الثقيل من الحسنات، خاصة إذا كانت في خفاء تام وبنية خالصة.
خامساً: نماذج مضيئة من الصدقة الخفية
سار كثير من الصالحين عبر التاريخ على منهج إخفاء الصدقة، حتى إن بعضهم كان لا يُعرف أنه متصدّق إلا بعد وفاته، حين تفتقد الأسر الفقيرة ما كان يصلها من عطائه. وهي دروس تؤكد أن القيمة الحقيقية للعمل تكمن في نبل صاحبه لا في شهرته.
إن إخفاء الصدقة خلق كريم وعبادة عظيمة تجمع بين الإخلاص والرحمة والتواضع. ولئن كانت الصدقة في ظاهرها عطية مال، فإن إخفاءها عطية قلب وروح، ورفعٌ لدرجات العبد عند الله في الدنيا والآخرة. فلنحرص على هذه العبادة الجليلة، ولنعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن صدقتنا الخفية هي زادنا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.