حذرت ثلاث دراسات حديثة من أن الأشخاص في منتصف العمر الذين يلجأون بانتظام إلى التلفزيون للترفيه أكثر عرضة لخطر التدهور في التفكير والذاكرة في وقت لاحق من الحياة.

ووجد الباحثون أنه حتى مشاهدة التلفزيون باعتدال ارتبطت بأداء أسوأ في الاختبارات المعرفية مع تقدم العمر، كما عانى مشاهدو التلفزيون المنتظمون من ضمور أكبر في الدماغ.

ولم يتمكن الباحثون من تحديد ما إذا كان التلفزيون نفسه وراء التدهور الدماغي مباشرة ، أو ما إذا كان هو مقدار الوقت الذي يتراكم فيه الأشخاص أثناء مشاهدة التلفزيون.

قالت بريا بالتا، الباحثة الرئيسية في إحدى الدراسات، والأستاذة المساعدة في العلوم الطبية وعلم الأوبئة في جامعة كولومبيا، وكلية فاجيلوس للأطباء والجراحين بنيويورك: "لا أعتقد أن مشاهدة التلفزيون بحد ذاته أمر ضار بصحة الدماغ، ولكن من المحتمل أن يكون مقياسًا بديلًا للسلوك المستقر".

اظهار أخبار متعلقة

وعرضت الدراسات الثلاث في مؤتمر علم الأوبئة والوقاية ونمط الحياة وصحة القلب والأوعية الدموية التابع لجمعية القلب الأمريكية. وتعتبر النتائج المقدمة في الاجتماعات الطبية أولية حتى يتم نشرها في مجلة محكمة.

الخطر الناجم عن مشاهدة التليفزيون 

قال رئيس جمعية القلب الأمريكية الدكتور ميتش إلكيند، رئيس قسم علم الأعصاب وأبحاث النتائج السريرية وعلوم السكان في قسم طب الأعصاب بجامعة كولومبيا، إنه من المنطقي أن السلوك المستقر لفترة طويلة يمكن أن يسلب الناس في النهاية قوة الدماغ.

وأضاف إلكيند: "من المؤكد أنه من الصحيح بالنسبة لي أن كلاً من السلوك المستقر والأشياء المصاحبة له مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم والسكري يمكن أن تؤدي إلى تراكم تدريجي لإصابات الدماغ بمرور الوقت. يتم تغذية الدماغ أيضًا من خلال الأوعية الدموية، ويمكن أن تؤدي أمراض القلب والأوعية الدموية إلى مشاكل في الدماغ مثل التدهور المعرفي وحتى الخرف".

وركزت دراستان على المشاركين في دراسة مخاطر تصلب الشرايين في المجتمعات، وهي جهود بحثية طويلة الأمد تركز على الآثار الصحية للشرايين المتصلبة.

شملت الدراسة التي أجرتها "بريا بالتا"، ما يقرب من 6500 مشارك كانوا يميلون إلى مشاهدة التلفزيون لوقت مماثل على مدار فترة تقارب ست سنوات من منتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات.

صُنف الأشخاص في ثلاث مجموعات - الذين لم يشاهدوا التلفاز مطلقًا أو نادرًا، ومن يشاهدونه في بعض الأحيان، والذين يشاهدونه كثيرًا- وخضعوا لسلسلة من اختبارات أداء الدماغ مع تقدمهم في السن لتتبع التغيرات في قدراتهم.

قالت بالتا: "وجدنا أنه مقارنة بالمشاركين الذين أفادوا بمشاهدة القليل جدًا من التلفزيون، فإن المشاركين الذين أفادوا بمشاهدة لقترات معتدلة أو عالية من التلفزيون لديهم انخفاض أكبر بنسبة 7 في المائة في الوظيفة الإدراكية، بناءً على أدائهم في الاختبارات المعرفية على مدى 15 عامًا".

استخدمت دراسة ثانية أيضًا بيانات "إيريك" - قاعدة معلومات الموارد التعليمية- لكنها ركزت على حوالي 970 شخصًا لديهم عادات مشاهدة تلفزيونية مستقرة نسبيًا وخضعوا لعمليات مسح إضافية للدماغ لتتبع التغييرات في بنية الدماغ.

تناقص المادة الرمادية العميقة

وجد الباحثون، أن الأشخاص الذين يشاهدون التلفزيون في بعض الأحيان أو بشكل متكرر لديهم كميات أقل من المادة الرمادية العميقة بعد أكثر من عقد من الزمن في الحياة، مما يشير إلى ضمور أو تدهور أكبر في الدماغ، كما قال الباحث الرئيسي كيلي بيتي جابرييل، أستاذ علم الأوبئة في مدرسة الصحة العامة في جامعة ألاباما ببرمنجهام.

وتشارك مادة الدماغ الرمادي في التحكم في العضلات، والرؤية، والسمع، واتخاذ القرارات وغيرها من وظائف الدماغ المهمة. كلما زاد حجم المادة الرمادية في دماغ الشخص، كانت قدرته على التذكر والتفكير أفضل، عادةً.

ركزت الدراسة الثالثة أيضًا على مادة الدماغ الرمادي، ولكنها استخدمت مجموعة مختلفة من البيانات المستمدة من دراسة تنمية مخاطر الشريان التاجي طويلة المدى لدى البالغين الصغار.

سُئل حوالي 600 شخص عن متوسط عدد الساعات التي يقضونها أمام التليفزيون يوميًا أثناء زيارات المتابعة التي حدثت كل خمس سنوات لمدة عقدين.

بعد عشرين عامًا من الدراسة، أجرى الباحثون فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ لتقييم كمية المادة الرمادية التي لا تزال لدى كل مشارك. وجدت الدراسة أيضًا أن مشاهدة التلفزيون بشكل أكبر كان مرتبطًا بانخفاض حجم مادة الدماغ الرمادي في وقت لاحق من الحياة.

قال الباحث الرئيسي ريان دوجيرتي، وهو زميل ما بعد الدكتوراه في قسم علم الأوبئة بكلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة، إنه مقابل كل ساعة إضافية من مشاهدة التليفزيون، يفقد الشخص في المتوسط 0.5 في المائة من المادة الرمادية - وهو ما يماثل المعدل السنوي لتدهور الدماغ لدى كبار السن.

في جميع الدراسات، لم تؤثر عادات النشاط البدني والتمارين الرياضية للأشخاص على الارتباط بين الساعات التي يقضونها في مشاهدة التلفزيون وتراجع وظائف المخ وحجم المادة الرمادية.

مخاطر على صحة الدماغ والمعرفة

وقال دوجيرتي في بيان صحفي في المؤتمر، إن النتائج تشير إلى أن "هذا السلوك المستقر قد ينقل مخاطر فريدة فيما يتعلق بصحة الدماغ والمعرفة".

وأضاف: "هذا اكتشاف مهم لأنه من المقبول الآن أن البيولوجيا العصبية للخرف، بما في ذلك ضمور الدماغ، تبدأ خلال منتصف العمر. هذه فترة يمكن فيها استهداف السلوكيات القابلة للتعديل مثل المشاهدة المفرطة للتليفزيون وتقليلها لتعزيز شيخوخة الدماغ الصحية".

وتابع: "حتى إذا ذهبت للركض، فهذا جيد ويمكنك الحصول على 30 دقيقة من النشاط البدني يوميًا، ولكن إذا قضيت بقية الوقت جالسًا في مكتب ولا تتحرك على الإطلاق، فقد يستغرق ذلك".

وأشار الكيند إلى "بعض فوائد التمرين"، قائلاً: "بشكل عام، أود أن أقول أنه كلما زادت الحركة، كان ذلك أفضل. حاول الحصول على بعض النشاط في كل ساعة، حتى لو كان عليك تعيين تذكير صغير للقيام بذلك".

وهناك أيضًا احتمال ألا تكون الأنشطة الخاملة الأخرى المحفزة عقليًا ضارة بصحة الدماغ في المستقبل.

قال بالتا: "مشاهدة التلفزيون هو ما نصنفه على أنه سلوك سلبي معرفي مستقر - سلوك خامل لا يتطلب الكثير من التركيز أو التفكير. هذا على النقيض من السلوكيات الخاملة النشطة عقليًا، مثل القراءة، والتي من شأنها أن تكون أكثر تحفيزًا معرفيًا أو تتطلب المزيد من العمل الدماغي".