عالمية الدعوة الإسلامية فرضت علي رسول الله صلّي الله عليه وسلم إيفاد رسله وسفراءه إلي ملوك وسلاطين وأباطرة العالم، يدعوهم فيها للإسلام رغبة في هدايتهم والخروج بهم من عالم الضلال والشرك بالله .
كان الرسول صلي الله عليه وسلم يدرك صعوبة هذه المهمة ، خاصة أن أغلب الصحابة كانوا لا يجيدون لغة القادة والملوك المكلفين توصيل الرسائل إليهم .
النبي صلي الله عليه وسلم هم بجمع أصحابه رضوان الله عليهم ، وبعد أن حمد الله وأثني عليه خاطبهم قائلا :أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا عليّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى بن مريم".
فقال الصحابة :"نحن يا رسول الله نؤدي عنك ما تريد ؛ فابتعثنا حيث شئت".
رسل وسفراء الرسول إلى ملوك العالم:
وقع اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ستة من الصحابة للقيام بالمهمة الموكلة إليهم.
سفير النبي "عبد الله بن حذافة السهمي"
كان عبد الله بن حذافة السهمي واحدًا منهم، حيث وقع عليه الاختيار لتوصيل رسالة النبي لملك الفرس ، فأعدّ نفسه لخوض الرحلة وودع أهله ، ومضى في طريقه وحده ليس معه سوى الله تعالى .
وجها لوجه مع كسرى:
أيام عديدة وليال طوال بعدها وصل بن حذافة أرض فارس، فورا استئذن بالدخول علي ملك الفرس بعد أن أبلغ الحاشية بفحوى الرسالة التي يحملها.
أذن كسرى ملك الفرس إلى عبد الله بالدخول ودعا عظماء فارس من أجل حضورالمجلس ، دخل عبد الله على الملك ببساطة الأعراب وهو يرتدي عباءة رقيقة الحال ، غير أنه كان مشدود القامة ويبدو عليه كبرياء الإيمان وشموخ الإسلام .
كسرى وجه أحد رجاله ليأخذ الكتاب الذي يحمله بن حذافة ، ولكنه رفض قائلًا :لا ؛ إنما أمرني رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدًا بيد ، وأنا لا أخالف أمرًا لرسول الله”.
نظر كسرى إلى رجاله قائلًا : اتركوه يدنو مني ، فاقترب عبد الله حتى أعطاه الكتاب .
ملك الفرس اختار مواطنا من أهل الحيرة ليقرأ عليه الكتاب ، فبدأ بالقراءة : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى.. ، حينما سمع كسرى هذا القدر من الرسالة ؛ ثار غاضبًا.
كسري برر غضبه الشديد لكون الرسول بدأ نص الرسالة بنفسه ، فجذب الرسالة بقوة وقام بتمزيقها دون أن يعلم ما تحتويه ، ثم أمر بن حذافة بالخروج من المجلس والأخير لا يدري ماذا يفعل رجال كسري مرجحا قتله أو على الأقل وقوعه في الأسر .
الصحابي الجديد وهو يحادث نفسه اطمئن قائلا : " والله ما أبالي على أي حال أكون بعد أن أديت كتاب رسول الله" ثم امتطى راحلته ومضى وحينما هدأ كسرى أمر بإحضاره ، ولكن رجاله لم يجدوا له أثرًا في أي مكان .
عودة بن حذافة ونبوءة عظيمة:
عاد بن حذافة إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم فأخبره بما حدث من كسرى ، فقال النبي :مزّق الله ملكه ، فيما هم كسرى بالكتابة إلى نائبه على اليمن ليأمره بأن يبعث رجلين إلى هذا الرجل الموجود بالحجاز وهو يقصد "النبي " ، وذلك ليحضراه إليه .
الرجلان المبعوثان من كسري وصلا للطائف وهناك سألا عن النبي ، فعلما أنه في يثرب ومضيا حتى وصلا رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ثم أخبراه برسالة كسرى إليه كي يذهب معهما حتى لا يهلك ، فابتسم النبي قائلًا :”ارجعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غدًا”.
في اليوم التالي ذهب الرجلان إلى الرسول ثم قالا :”هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى” ، فقال لهما الرسول :”لن تلقيا كسرى بعد اليوم ، فلقد قتله الله ، حيث سلط عليه ابنه في ليلة كذا من شهر كذا..” ، اندهش الرجلان وانطلقا إلى نائب اليمن ليخبراه بما يقول رسول الله.
نائب كسري علي اليمن "باذان" علم بما حدث قال :” لئن كان ما قاله محمد حقًا فهو نبي وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأيًا ” ، ثم ما لبث حتى علم بمقتل كسرى علي يد ابنه شيرويه ، فأعلن باذان دخوله في الإسلام ومن كان معه في بلاد اليمن من الفرس .