يكشف الداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد من خلال مقطع فيديو، نشره عبر صفحته الشخصية على موقع "يوتيوب"، عن موقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من صلح الحديبية.
ويقول "خالد" أنه بعد أن اتفق الرسول صلى الله عليه وسلم على بنود الصلح مع قريش لا بد أن توثق وتسجل في صحيفة تكون بين الدولتين يوقع عليها الطرفان، ويعترف بها في الجزيرة العربية بكاملها، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم الجلوس مع سهيل بن عمرو لكتابة الصحيفة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمّي لا يكتب ولا يقرأ، فالذي كان يكتب المعاهدة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، والذي يملي عليه الكلمات هو رسول صلى الله عليه وسلم، وهذه إشارة قوية جداً إلى أن اليد العليا في المعاهدة للمسلمين، فهم الذين يملون المعاهدة ويكتبونها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يملي وعلي بن أبي طالب يكتب، وسهيل بن عمرو مجرد مستمع.
وأضاف "خالد" أن "صلى الله عليه وسلم قال: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم)، بداية كل عمل للمسلمين: بسم الله الرحمن الرحيم، فوقف سهيل واعترض، وكل اعتراضات سهيل بن عمرو شكلية، لم يعترض على كل البنود السابقة مع كل الخسائر التي خسرتها قريش لضعف قريش، وإنما هو الآن يعترض اعتراضات شكلية، ونريد أن نشاهد مرونة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال سهيل: (ما الرحمن؟) يعني: لسنا موافقين على هذه الكلمة، (ما الرحمن؟ فو الله ما ندري ما هو، اكتب: باسمك اللهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا علي: اكتب: باسمك اللهم)، يعني: (باسمك اللهم) هذه ليست فيها معارضة لأمر شرعي، وإذا لم يكتب الرحمن الرحيم ليس معنى ذلك أنه غير معترف بأن الله عز وجل هو الرحمن الرحيم، لا، وإنما لم يكتب ذلك في المعاهدة، فهذه نقطة شكلية مررها الرسول صلى الله عليه وسلم دون وقوف، (فمحا علي بن أبي طالب البسملة وكتب: باسمك اللهم، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله)، ولم يكمل الكلمة بعد حتى وقف سهيل مرة أخرى، لكن هذه الوقفة مهمة جداً من سهيل قال: (لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله)، يعني: هم لم يعترفوا بعد بنبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكيف تكتب في الصحيفة ويوقع عليها سهيل، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إني رسول الله وإن كذبتموني، ثم أمر علياً أن يمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فسيدنا علي قال: لا أستطيع أن أمسح كلمة رسول الله، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال له: أرني مكانها، فأشار له علي رضي الله عنه وأرضاه على مكان الكلمة، فمحاها صلى الله عليه وسلم بنفسه)، هذا موقف في منتهى العمق، فـ سهيل بن عمرو يريد أن يأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في قضايا جانبية بعيدة عن الصلح، فهو يسحبه في تفريعات بعيدة عن الموضوع الأساس الذي نتكلم فيه، وكانت رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام واضحة جداً، فهو يريد أن تتم المعاهدة؛ لأن هذه البنود كلها في صالح المسلمين، ويرى أن فيها نصراً للمسلمين، لم يكونوا يحلمون قبل صلح الحديبية، فالمسلمون يقولون: كان كل طموحنا أننا نؤدي العمرة ونرجع مرة أخرى إلى المدينة المنورة، والآن عندنا كل المكاسب، فلا نعطل الصلح من أجل كلمة كذا أو كذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد للصلح أن يتم، وهذه الكلمات لن تؤثر على الصلح.
بعض المشككين في الصحابة وقدرهم فى هذه الأمة يثيرون الأقوال على سيدنا عمر بن الخطاب, وذلك فى قصة صلح الحديبية, حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من سيدنا عمر بن الخطاب أن يذهب لمفاوضة قريش فأشار على الرسول صلى الله علية وسلم أن يرسل سيدنا عثمان بن عفان لأن له قرابة هناك تحميه بينما هو (سيدنا عمر) ليس له قرابة.. فما حقيقة هذه القصة؟.
الإجابة:
بداية.. علينا ألا نلتفت إلى مثل هذه الترهات والشبه التي يثيرها مرضى القلوب وضعاف النفوس لينالوا بها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة الطود الأشم والجبل الشامخ أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثاني، فكل همّ هؤلاء هو تسميم الأجواء وتعكير المياه ليصطادوا فيها ما يظنون أنه ينقص من قدر هذا الصحابي الجليل أو غيره من الصحابة الكرام، وهيهات أن تنطلي شبهاتهم ومكائدهم على المسلمين، وإن قصة السفارة التي أشرت إليها في الحديبية رواها الإمام أحمد والطبري وحسنها الأرناؤوط وذكرها أصحاب السير والمغازي، وليس فيها ما ينقص من قدر عمر -رضي الله عنه- بل هي دليل على رجحان عقله وسداد رأيه وقوة إيمانه وطاعته المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي رواية الواقدي: وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم. وإنما أشار بعثمان لمكانته عند قريش -كما هو مبين- ولأنه يريد النجاح لمهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه بالرجل المناسب لها، فعمر رضي الله عنه لم يرفض -كما رأيت- ولن يرفض، ولكن المقام مقام سياسة ومفاوضات، فأبدى عمر رأيه مصحوباً بالأدلة المقنعة ولهذا رحب رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه فأرسل عثمان.
وكون عمر لم يقتل أحداً من قريش غير صحيح فقد قتل رجالاً من زعمائهم من بينهم خاله العاص بن هشام بن المغيرة كما ذكر ذلك غير واحد من أصحاب السير والمغازي. وشدة عداوة قريش لعمر رضي الله عنه معروفة فقد كانوا يعتبرونه الرجل الثالث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولهذا لم يسأل أبو سفيان الذي كان رئيس المشركين يوم أحد، عن غير هؤلاء الثلاثة فقط، وعندما لم يجبه أحد فرح وقال: أما هؤلاء فقد هلكوا.
وأما ما وقع في غزوة الأحزاب فلا يلزم منه أن عمر سمعه أو أن الصحابة كلهم سمعوه لأنهم كانوا ثلاثة آلاف رجل، وعلى افتراض أنه سمعه فإن ذلك لا ينقص من قدره ولا من قدر غيره من الصحابة الكرام لأنه كان بأسلوب العرض والترغيب والعموم فلم يخص أحداً، وإنما قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة. قال حذيفة راوي الحديث: فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة، فسكتنا فلم يجبه منا أحد، فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم... الحديث رواه مسلم، وغيره. فسيدنا حذيفة رضي الله عنه الذي نفذ المهمة على أكمل وجه كان يستمع -كغيره- ولم يجب إلا بعد ما عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو دعا عمر أو غيره لأجاب واستجاب، ولكن ينبغي أن نعلم أن الصحابة بشر يصيبهم ما يصيب البشر ولا سيما في تلك الظروف الصعبة من ظلمة الليل وشدة البرد وقوة الرياح وتربص العدو... كما وصف الله تعالى: إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {الأحزاب:10}، وأما كون عمر رضي الله عنه لم يستمع إلى الآيات القرآنية فهذا كلام لا قيمة له ولا يستحق الرد، فهل يعقل أن يستمع إليها هؤلاء ولا يستمع إليها عمر الذي كان وقافاً عند كتاب الله، ووافق ربه في آيات كثيرة، فعمر رضي الله عنه يعلم يقيناً أن الأمور كلها بيد الله تعالى والآجال مقدرة... ولكن الله تعالى جعل لكل شيء سبباً وأمر بأخذ الحيطة والحذر واتخاذ الأسباب ثم بعد ذلك الاعتماد عليه سبحانه وتعالى والتسليم لقدره وقضائه، وهذا ما تعلمه عمر من كتاب الله تعالى ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عنه في أحاديث كثيرة وعمل به في واقع حياته، ولا نطيل بذكر الأمثلة من حياته رضي الله عنه بل نأخذ مثالاً من حياة نبيناً صلى الله عليه وسلم، فقد كان يأخذ حذره ويعتمد على الله تعالى، ومن ذلك أنه احتمى بالمطعم بن عدي ودخل مكة في جواره بعد رحلة الطائف كما هو معروف، فالحذر والأخذ بالأسباب لا يتنافى مع التوكل.
يكشف الداعية الإسلامي الدكتور عمرو خالد من خلال مقطع فيديو، نشره عبر صفحته الشخصية على موقع "يوتيوب"، عن موقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من صلح الحديبية.