عامر عبدالحميد

كان حذيفة بن قتادة المرعشي من أشهر العبّاد، وله في ذلك أحوال ومقامات، حيث اشتهر عنه المواعظ الجامعة، التي تدل على حسن عبادته وقوة معرفته.
قال ذات مرة لأحد رفاقه: إن لم تخش أن يعذبك الله على أفضل عملك فأنت هالك.
 وقال أيضا: لو نزل عليّ ملك من السماء يخبرني أني لا أرى النار بعيني، وأني أصير إلى الجنة إلا أني أقف بين يدي ربي تعالى يسائلني ثم أصير إلى الجنة، لقلت: لا أريد الجنة ولا أقف ذلك الموقف.
 ولو جاءني رجل فقال لي: والله الذي لا إله إلا هو، ما عملك عمل من يؤمن بيوم الحساب لقلت له: يا هذا لا تكفر عن يمينك فإنك لم تحنث.
 وسمعه أحد رفاقه يقول: إني لأستغفر الله من كلامكم إذا خرجتم من عندي خمسين مرة.

اقرأ أيضا:

الزم المروءة لنجاتك في الدنيا والتقوى للنجاة في الآخرةووعظ آخر فقال له: إنما هي أربعة، عيناك، ولسانك، وهواك، وقلبك، فانظر عينيك لا تنظر بهما إلى ما لا يحل لك، وانظر لسانك لا تقل به شيئا يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكن فيه غلّ ولا دغلّ على أحد من المسلمين. وانظر هواك لا تهوى شيئا، فما لم تكن فيك هذه الأربع الخصال فالرماد على رأسك.
كما واعظ  أحد رفاقه قائلا: ثلاث خصال إن كن فيك لم ينزل من السماء خير إلا كان لك فيه نصيب: يكون عملك لله عز وجل وتحب للناس ما تحب لنفسك، وهذه اللقمة تحر فيها ما قدرت.
وقال لرجل: هل لك أن أجمع لك الخير كله في حرفين؟ قلت: ومن لي بذلك؟ قال: طلب الخبز من الحلل  وإخلاص العمل لله عز وجل حسبك.
يوسف بن أسباط قال: سمعت حذيفة بن قتادة المرعشي يقول: لو أصبت من يبغضني على حقيقة في الله لأوجبت على نفسي حبه.
وحكى الواعظ يوسف بن أسباط قال: قال لي حذيفة المرعشي: ما أصيب أحد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه.
وكان حذيفة يقول: إذا رأيتم الرجل قد جلس وحده فانظروا لأي شيء جلس؟ فإن كان جلس ليجلس إليه فلا تجلسوا إليه.
ومن جميل مواعظه: إن أطعت الله في السر أصلح قلبك، شئت أو أبيت.
حكوا عنه قصة عجيبة قال:  كنت في المركب فكسر بنا، فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام.
 فقالت المرأة: أنا عطشى، فسألت الله تعالى أن يسقينا. فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء. فشربت، رفعت رأسي إلى السلسلة فرأيت رجلا جالسا في الهواء متربعا فقلت: من أنت؟ قال: من الأنس.
 قلت: فما الذي بلغك هذه المنزلة؟ قال: آثرت مراد الله عز وجل على هواي فأجلسني كما تراني.