التسرع سمة من السمات البشرية التي تؤدي للندم، لذلك عالجت السنة النبوية في كثير من المواقف هذه الآفة البشرية، التي دائمًا ما تؤدي للشقاق بين الناس، خاصة إذا سبق التسرع سوء الظن.
وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بدر بألا يقتل أحد من المسلمين عمه العباس الذي كان يعمل في جيش المشركين، درس بليغ لمعالجة التسرع، وسوء الظن، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "من لقيَ العباس في جيش المشركين فلا يقتله، فوقع في نفس أحد الصحابة، وهو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، أن النبي يأمرهم بقتال أهليهم في مكة ثم يطلب منهم ألا يقتلوا العباس عمه!!! فقال: والله لئن وجدت العباس لأقتلنه".
هذا صحابي ظن في قائده الذي لا ينطق عن الهوى ورغم كونه سيد البشر صلى الله عليه وسلم أنه يحابي عمه، ثم يكتشف هذا الصحابي بعد حين أن العباس كان أكثر المعاونين للرسول من مكة. وفي رواية أنه كان مسلما يكتم إسلامه. وفي كل الأحوال أنه خرج في بدر مع المشركين مجبرا.
فظل هذا الصحابي يستغفر من ذنبه نتيجة آفة التسرع حتى مات شهيدا بعد بضع سنين.
اقرأ أيضا:
المهندس الذي صمم الحرم المكي ورفض الملايين مقابل عملهالتسرع وسوء الظن
والدرس هنا يعالج التسرع وسوء الظن، حيث أن كثيرا من الأمور تغيب عن كثير منا (وهذه طبيعة الأمور)، فلا تسبق بالفعل والإنكار والغضب، وليكن السؤال خيرا لك، وإن لم تجد إجابة فاجعل حسن الظن شيمتك.. فلربما إجابة سؤالك تضر ولا تنفع.
فبخصوص مسألة العباس، فقد نصت الرواية التي ذكرها السائل على أن النبي صلى الله عليه وسلم علل أمره بذلك بأنه أُخرج مستكرها. وأن أبا حذيفة لما قال: أنقتل آباءنا وأخواتنا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه السيف. كان بعد ذلك يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدًا.
فقد غلب التسرع وسوء الظن على أبي حذيفة، حتى علم أن العباس رضي الله عنه كان يؤازر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، حتى إنه حضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعافِ عمه العباس من مسئولية خروجه مع المشركين، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ ؟ قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا هَيْئَتُهُ كَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ. وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ: فَأَبَى وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي. قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ. قَالَ: لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مِنْكَ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ. قَالَ: فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ حَيْثُ خَرَجْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِلْفَضْلِ كَذَا وَلِقُثَمَ كَذَا وَلِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا. قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. رواه أحمد في مسنده.
فإذا كان قد وقع في نفسك شيئًا من التسرع وسوء الظن، فتعلم كيف تتخلص من هذه الآفة قبل أن تندم على فقدان حبيب أو شريك، فالتسرع في الكلمة والمواقف مثل الرصاصة إذا خرجت لا تعود.