أنس محمد
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.
يكشف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث طريقان متوازيان لكل راع يقوم على رعاية أسرته، وخاصة أبنائه،والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم بمصالح ما قام عليه في أموره الدينية والدنيوية، والذي سيُسْأل أمام الله عن رعيته: ضيَّع أم حفِظ.
وفرق كبير بين الرعاية والتربية، فهناك من الآبَاء والأُمَّهَات؛ من يقع في إشكالية الخَلط الكَبير بَين مَفهُوميْ التَّربية والرِّعَايَة، لأنَّ أَغلَب الأُسَر تُمَارس الرِّعَايَة، وتَعتَقد أَنَّها تَربية، ومَا عَلِمُوا أَنَّ الرِّعَايَة تَختَلف كَثيرًا عَن التَّربية، وحَتَّى تَستَقيم الأمُور وتَتَّضح المَفَاهيم، دَعونَا نَطرَح المِثَال، ليَتَّضح المَقَال
فالتربية هي زَرع القَنَاعَات والمَبَادئ، والاهتمَامَات عِندَ الأَطفَال، فمَثلًا، مِن التَّربية أَنْ يَتعلّم الطِّفل أَهميّة الأَمَانَة والصِّدق، والالتزَام بالمَواعِيد، ومِن التَّربية غَرس العَادَات الحَسنَة، مِثل عَادة القِرَاءَة، وعَادة الاستيقَاظ مُبكِّرًا، وعَادة المَشي.. ومِن التَّربية أَيضًا، الحوَار مَع الأبنَاء، وتَعزيز الطمُوحَات عِندهم، واكتشَاف مَهَارَاتهم، وتَعديل مَا يَحتَاج مِنهَا إلَى تَعديل، بطَريقةٍ ذَكيَّة..!
والتربية هي أن تقول لناشئتك في طور التعليم والتعلُّم: افْعَلْ ولا تَفْعَلْ، بين الأمر والنهي والفعل والترك؛ فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنه قال: "كنتُ غلامًا في حجْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانتْ يدِي تَطِيشُ في الصَّحْفةِ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلامُ، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينِكَ، وكلْ ممَّا يلِيكَ))، فما زالَتْ تلك طِعْمَتي بعدُ"؛ (صحيح البخاري 5376)، وفي ذات الميدان قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((مُروا أبناءَكُم بالصَّلاةِ لسَبْعِ سنينَ، واضرِبوهم عليها لعَشْرِ سِنينَ، وفرِّقوا بينَهُم في المضاجِعِ ...)).
والتربية هي المتابعة الدائمةُ للأبناء لحفظهم من العِوَج والانحراف؛ لقوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ((أكرِموا أولادَكم وأحسِنوا أدبَهم))؛ وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].
أمَّا الرعاية فهي مجرد توفير الحاجات اليومية من غذاءٍ وكساءٍ ودواءٍ، وتجهيز أماكن النوم ومرافق الحياة المادية، وهذا قد ينوب فيه بعض الخَدَمِ أو الأقارب.
فبعض الآباء يعتقد أنه حينما يعمل على توفير نفقات أبنائه من ملبس ومأكل وتعليم فهو بذلك قام برتبيتهم على أكمل وجه، ثم يفاجأ حينما يعلم بتدني أخلاق أبنائه وفشلهم تعليميا، وبهذا يظهر الفارق جليًّا، ويحتِّمُ علينا أن نقف على مفاصلةٍ حقيقيةٍ في الفهم بين الرعاية والتربية بأنَّ كلَّ فرد من المجتمع في زمن إعداده وهو صغيرٌ يحتاج إلى تربيةٍ وتأديبٍ وتهذيبٍ ومتابعةٍ، فوق ما يحتاجه من رعايةٍ بدنيةٍ ومطالب ماديةٍ.
اقرأ أيضا:
عين السرو.. تمتلئ حينما تقترب منها وتجف عندما تبتعد.. فما تفسير ذلك؟