سير الصحابة الكرام، مليئة بالبطولات  التي خلدها التاريخ، والتي حتى الغرب مازال يتغنى بها، فماذا عنا نحن؟

ومن هؤلاء الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، والذي يستحق دون جدال قُبلة على جبينه من كل المسلمين، حتى لآخر الزمان، وما ذلك إلا لدور وموقف حسب له، مازال يذكره التاريخ،  ويف عنده كثيرًا ومليًا..

يروي بن حذافة أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أرسل جيشًا لحرب الروم وكان من بينهم هذا الشاب.. وطال القتال بين المسلمين والروم، حتى استغرب قيصر روما من ثبات المؤمنين وجرأتهم على الموت.. فأمر رجاله بأن يحضر بين يديه أحد الأسرى من المسلمين.. وكانت النتيجة أسر هذا الصحابي الجليل.. فانظر ماذا سيحدث؟!

الدعوة لترك الإسلام

كان أول ما فعله قيصر الروم، بعبدالله  بن حذافة أن أتى به وهو مقيد بالأغلال في يديه وقدميه، ودار بينهما حديث، حتى نال عبدالله إعجاب القيصر، فما كان من الأخير إلا أن دعاه إلى التنصر وترك الإسلام، فرفض.. فعرض عليه القيصر أن يتنصر مقابل أن يطلق سراحه.. فرفض عبدالله رفضًا باتًا.. فعرض عليه القيصر أن

 يتنصر ويعطيه نصف ماله.. فرفض عبدالله أيضًا هذا العرض المغري..

فرفع القيصر عرضه، بأن يتنصر مقابل أن يعطيه نصف ماله ويشركه في الحكم معه.. فرفض عبدالله أيضًا.. وانظر هنا لموقف عبدالله ماذا سيقول وسيواجه به قيصر روما وهو بين رجاله وأرضه.

فقال عبدالله: «والله  لو أعطيتني ملكك وملك آباءك، وملك العرب والعجم على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت».

غضب القيصر

الرد القوي لعبدالله رضي الله عنه، زلزل القيصر وأغضبه، فأمر به فسحب وعلق على خشبة وأمر الرماة أن يرموا السهام حوله.. وقيصر يعرض عليه النصرانية وهو يأبى وينتظر الموت.. فلما رأى قيصر روما إصراره أمر بأن يمضوا به إلى الحبس وأن يمنعوا عنه الطعام والشراب.. فمنوعهما عنه حتى كاد أن يموت من الظمأ ومن الجوع فأحضروا له خمرا ولحم خنزير.. فلما رآهما عبد الله، قال: والله إني  لأعلم أني لمضطر وإن ذلك يحل لي في ديني مادمت مضطرًا، ولكن لا أريد أن يشمت بي الكفار، فلم يقرب الطعام.. فما كان من قيصر إلا أن أمر أن تدخل عليه امرأة حسناء تغويه.. فكانت النتيجة أن عبدالله رضي الله عنه، لم يلتفت إليها..

وهنا يأس منه القيصر، فأمر بقدر من نحاس ثم أغلى الزيت، وأوقف عبدالله أمام القدر وأحضر أحد الأسرى المسلمين موثقا بالقيود وألقوة في الزيت المغلي، فالتفت قيصر إلى عبدالله وعرض عليه النصرانية مجددًا فأبى.. وهنا اشتد غضب قيصر وأمر بطرحه في القدر المغلي، فلما جروه وشعر بحرارة النار بكى.. ودمعت عيناه..

 ففرح قيصر فقال له: تتنصر وأعطيك.. وأمنحك.. فقال عبدالله: لا، فسأله وما يبكيك؟..  فقال: أبكي والله لأنه ليس لي إلا نفس واحدة تلقى في هذا القدر.. ولقد وددت لو كان لي بعدد شعر رأسي نفوس كلها تموت في سبيل الله مثل هذه الموتة.

فلما يأس منه قيصر قال له: قبل رأسي وأخلي عنك.. فقال له عبدالله: وعن جميع أسرى المسلمين عندك.. فقال أجل.. فقبل عبد الله رأسه ثم أطلق مع باقي الأسرى.. فقدم بهم على خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه، فقال له الفاروق كلمته الشهيرة: «حق على كل مسلم أن يُقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ».