أثر انتشار فيروس كورونا المستجد على كل شيء فى الحياة تقريبا، وكان من بين أكبر المتأثرين بتداعيات الفيروس الطلاب، إذ توقفت المدارس والجامعات فى معظم دول العالم التى ضربها الفيروس، فقد أغلقت المدارس في أكثر من 177 دولة في جميع أنحاء العالم، مما أثر على نحو 1.3 مليار طالب، أي ما يعادل نحو %72.4 من إجمالي الطلاب المسجلين في المدارس والجامعات في العالم، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".
لكن ذلك تسبب فى تغيير في طرق التعليم التقليدية، ودفع نحو تحول جذري تجاه منصات التعلم عن بعد، وبات توفير أدوات التعليم الإلكترونية أولوية رئيسية للدول جميعها لضمان استمرار عملية التعليم، ومن ثم تظهر بعض التوقعات التي تشير إلى بروز نظام تعليمي جديد.
وقد قدمت مجلة فوربس الأمريكية تحليلا شاملا لشكل التعليم بعد الانتهاء من كورونا، سنقوم بعرضه علي حلقتين متتاليتين، نعرض الجزء الثاني منها في السطور التالية.
تبني الأفكار الإبداعية والمبادرات الذكية
تثبت شركات التكنولوجيا العالمية اليوم قدرتها على تقديم الدعم والمساعدة، مثل شركة أمازون التي تبرعت بـ8200 حاسوب محمول، تتجاوز قيمتها مليوني دولار، إلى طلاب المرحلة الابتدائية في المدارس الحكومية في مدينة سياتل، لمساعدتهم على مواصلة التعليم خلال هذه الأزمة.
كما استثمرت شركة (Intel) أيضًا نحو 40 مليار دولار في أدوات الاستعداد والاستجابة ومبادرات التعليم الإلكترونية، في حين تلقت "أكاديمية خان" وهي منصة تعليم إلكترونية مجانية -فيها أكثر من 6500 فيديو للدروس التعليمية- التبرعات من كبرى الشركات مثل: جوجل وشركة (AT&T)، فضلًا عن الملياردير كارلوس سليم.
وحصل نموذج تطبيق التعليم المجاني (BYJU’S) البالغة قيمته اليوم 5.5 مليار دولار- الذي أطلقه رائد الأعمال الهندي بايجو رافيندران- على استثمارات من مارك زوكربيرغ، وشركة (Tencent) ورانجان باي، رجل الأعمال الملياردير الذي يعمل في مجال الرعاية الصحية، وسيكون هناك أيضًا المزيد من المبادرات المقدمة من مختلف الشركات في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا:
عين السرو.. تمتلئ حينما تقترب منها وتجف عندما تبتعد.. فما تفسير ذلك؟ظهور الشراكات الإعلامية والتكنولوجية لخدمة التعليم
تتعاون شركات الإعلام والتكنولوجيا الناشئة مع الجهات التعليمية، لتبادل الخبرات وتقديم أفضل التجارب للطلاب والمتعلمين، ومثال ذلك تجارب التعليم المتقدمة في الأردن، حيث تشاركت وزارة التربية والتعليم الأردنية مع "منصة أبواب" و"موضوع" وموقع" جو أكاديمي" ومنصة "إدراك" ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، لإطلاق قناتين متلفزتين، ومنصة درسك التعليمية، وسجلت المنصة أكثر من23 مليون مشاهدة في الأسابيع الـ3 الأولى بعد إطلاقها، وفقًا لوزارة التربية والتعليم.
اقرأ أيضا:
قالوا عن النساء.. ماذا عن الزوجة الأولى والثانية؟تقييم البنية التحتية التعليمية
بالتأكيد لن يأتي كل شيء بالمجان، ستبرز الحاجة إلى إعادة النظر في البنية التحتية التعليمية في المنطقة وتقييمها وإعادة هيكلتها بشكل قوي يساند هذه الثورة التعليمية.
إلى جانب أهمية الاستثمار في زيادة مهارات المعلمين في المجال التكنولوجي مع توفير شبكات انترنت عالية السرعة مجانية للطلبة، أو بأسعار متاحة للجميع.
فقد أعلنت الجامعة الأردنية عن توفير حزم انترنت لنحو 20 ألف طالب على نفقتها؛ لتمكينهم من الوصول إلى منصات التَّعلم الإلكتروني، كما أعلنت منصة إدراك للتعلم المدرسي عن تفعيل شراكتها مع شركات الاتصالات المحلية زين وأورانج وأمنية، حيث سيتمكن المستخدمون في الأردن من تصفُّح محتواها وتنزيل المواد الدراسيّة التي توفرها– والمصممة بشكل خاص لطلبة المدارس والمعلمين وأولياء الأمور، دون استهلاك لحزم الانترنت للخطوط الفعالة على الهواتف الذكية.
زيادة التركيز على الأنشطة والهوايات وتعزيز المواهب
رغم أن معظم المواد التعليمية العادية ستكون عن بعد، سيحتاج الأطفال والـشباب إلى التـجـمع معًا لمزاولة الأنشطة والألعاب وعقد اللقاءات والاستمتاع بـالفعاليات الموسيقـية والبدنية، كما أن المواهب الرياضية والفنية وغـيرها تحتاج تنميتها منذ سن مبكرة، لذا قد تتحول المدارس إلى مراكز ترفيهية، حيث يذهب الأطفال للتجمع واللعب وممارسة الألعاب الرياضية وغيرها.
نمو الاستثمارات في القطاع التعليمي الإلكتروني
ستنخفض عمليات الاستحواذ على المدارس، وسيزيد الاستثمار في الشركات الناشئة والتكنولوجيا، ومن المتوقع تجاوز قيمة سوق التعليم الإلكتروني العالمي 300 مليار دولار بحلول عام 2025، وفقًا للتقرير الصادر من شركة خدمات البحوث السوقية (Global Market Insight) عام 2019.
وقد جمعت أكثر 10 شركات ناشئة تمويلًا في تكنولوجيا التعليم بالشرق الأوسط، نحو 45 مليون دولار حتى الآن، ومن المتوقع تزايد هذا المبلغ، مع ظهور العديد من الشركات الصاعدة والأفكار التكنولوجية الجديدة.
كذلك سنرى شركات تكنولوجيا التعليم الناشئة في الشرق الأوسط تنمو بوتيرة أسرع من الشركات العالمية الأخرى، نتيجة لانخفاض الأثر الأساسي.
اقرأ أيضا:
النظافة من الإيمان.. والتعطر من أهم أسسها (ماذا عن المرأة؟)انخفاض التكاليف والنفقات التعليمية
مع بقاء الطلاب في المنازل، وحصولهم على التعليم عبر الأجهزة الإلكترونية، سيتناقص الضغط المتعلق بالحضور والالتزام بالفصول التقليدية مع مرور الوقت.
فيما ستنخفض النفقات والتكاليف المرتبطة بالحفاظ على المباني التعليمية وصيانتها، والإشراف على حضور الطلاب بشكل كبير، فضلًا عن التكاليف الأخرى المتعلقة بالزي المدرسي والتنقل من وإلى المنزل، أو السفر ونفقات المعيشة ومصاريف التأشيرة، إذا كان الطلاب يدرسون في دولة أو مدينة أخرى، وبالتالي سينعكس ذلك على المصاريف المطلوبة، وسنتمكن حينها من توفير الميزانيات وتوجيهها إلى مناطق أخرى، مثل توفير الرحلات الميدانية أو التكنولوجيات الجديدة.
بدء التوجه نحو تبني مناهج جديدة منافسة للنظم التقليدية
في منظومات التعليم التقليدية، يتعلم كل طفل من فئة عمرية واحدة المناهج نفسها تقريبًا بالسرعة نفسها، دون النظر إلى اهتماماتهم أو مهاراتهم الفردية.
وفي الوقت الحالي، تضع كل دولة مناهجها الخاصة، لكن في المستقبل، بفضل البنية التحتية الرقمية العالمية، سيكون للطلاب إمكانية الخيار، حيث سيصبح بوسعهم الاختيار مثلًا بين تعلم الرياضيات من أمريكا، والعلوم من ألمانيا، واللغة الإنجليزية من المملكة المتحدة، وما إلى ذلك.
ومع النظام الجديد، وتقليل التركيز على مناهج التعليم الرسمية، سيتمكن الطلاب من التعلم بالوتيرة التي تناسبهم، والانتباه أكثر للأشياء التي يستمتعون بفعلها.
تزايد الإقبال على التدريس الخصوصي والدورات التدريبية
لدعم التعلم الإلكتروني، سيزيد الإقبال على المعلمين الخاصين، عبر المؤسسات والتطبيقات مثل تطبيق (Synkers) في لبنان، وتطبيق (Orcas) في مصر، من أجل تقديم المساعدات الخاصة التي تتناسب مع كل طالب في جميع أنحاء العالم، ولكي يتمكن الطلاب من الحفاظ على التواصل مع مدرسهم أو بلدهم.
اقرأ أيضا:
العدل ميزان الحكم.. أغرب الحكايات في مجلس القضاءارتفاع حصانة أسواق التعليم ضد التغييرات المفاجئة
ستصبح المنظومة التعليمية محصنة ضد التغييرات المفاجأة، مع اعتماد النظام الجديد على التكنولوجيا، وبالتالي ستكون مستويات التعليم جميعها متاحة ومضمونة بصرف النظر عما يحدث في العالم.
وسيكون هذا النظام الجديد محصنًا ضد الظروف المناخية المتغيرة والأوبئة العالمية والحروب والأحداث الأخرى، التي من شأنها تعطيل الحياة، طالما أن الانترنت لا يزال متاحًا ويسهل الوصول إليه.
تحسن مستوى الحياة
مع انخفاض عدد الطلاب الذي يذهبون إلى المدارس والجامعات، سيقل الازدحام المروري في الشوارع، وسيتوافر وقت أكبر لقضائه مع العائلة، فضلًا عن التحرر من قيود الجداول اليومية للحضور في مقرات المدارس والجامعات.
بينما سيزداد السفر الدولي، حيث إن الطلاب وعائلاتهم لن يصبحوا متقيدين بجدول دراسي معين، كما ستتمكن العائلات من الانتقال في أي وقت يريدونه، دون القلق بشأن دراسة أبنائهم في المدرسة التي يرغبون فيها.
الحاجة إلى تحليل البيانات الضخمة
في ظل هذه التطورات، ستحتاج الحكومات والمستثمرون إلى التفكير مليًا في التغييرات التي ستحدث لا محالة بعد الدروس التي تعلمها الجميع خلال هذه الفترة، وإذا أردنا الارتقاء والتقدم بالتعليم، ينبغي على الحكومات تخصيص ميزانية معينة للبحوث والتطوير، من شأنها الاستفادة من البيانات الضخمة Big Data، الحقيقية والموثوقة والواضحة.
كما أننا بحاجة اليوم إلى تحليل هذه البيانات لبناء مستقبل عملي ومشرق، يعود بالفائدة على الطلاب والمدرسين على حد سواء في المدارس والجامعات.
اقرأ أيضا:
كل قصص العزل انتهت بهذه النتيجة.. تعرف عليها اقرأ أيضا:
عشرون عملاَ عظيمًا هؤلاء أصحابها في التاريخ