لا تتوقف الدنيا على حالة واحدة، فدائمًا ما يأتي اليسر بعد العسر، والفرج بعد الكرب والضيق، وبعد أن توقفت أسبابنا الدنيا في إيجاد طريق النجاة من أسباب الضيق التي نمر بها في الوقت الحالي، مازال أمامنا أسباب أخرى ترتبط بإيماننا، وتبشرنا بأن لكل داء دواء كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن هذا الدواء ربما يكن له ثمن يتطلب سداده، لكي يعجل الله لنا به، وهو ثمن انتشار الخير، وتقديم العون للمحتاجين خاصة مع انتشار هذه الابتلاءات، من فقر مرض.
وحرص الإسلام على دفع المؤمنين إلى التسابق لعمل الخير بقوله تعالى: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً" [المائدة: 48]. وأن يقوم فريق من الناس بالدعوة إلى الخير لقوله تعالى: "وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر" [آل عمران: 104]، وقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله".
فعل الخيرات
ولم يقتصر الإسلام على الدعوة للخير وفعله؛ بل حض المؤمنين على عقد النية لعمل الخيرات، وحتى ولو لم تتيسر لهم الظروف لفعله فإنه يثاب على نيته الخيرية، كما في حديث أبي كبشة الأنماري ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما، يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء".
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ".
اقرأ أيضا:
إياك أن تضع الخل على العسل.. أخلاقك عنوانك وطريقك لمحبة للهالبر والتقوى
فالتعاون على البر والتقوى أصل من أصول الدين، تجتمع فيه المكارم كلها، وتلتقي عنده جميع أصول الأخلاق، وتجتمع عليه جميع القلوب المؤمنة.
يقول الله عز وجل: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (سورة المائدة: 2).
من نفس عن معسر بشيء من ماله لسد حاجته وإدخال السرور عليه وإشعاره بأنه ليس وحده في هذه الحياة، مبتغياً بذلك وجه الله تعالى – فإن الله عز وجل ينفس عنه بتنفيس هذه الكرب كرباً كثيرة؛ بناء على أن الحسنة بعشر أمثالها مع مضاعفتها بقدر الإخلاص فيها.
ويقول الله عز وجل: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (سورة البقرة: 245).
ويقول جل شأنه: { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (سورة البقرة: 265).
يقول الله عز وجل: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (سورة البقرة: 280).
وأهل المروءة هم أهل السخاء والجود والكرم، وإن كان العبد كريماً فإن الله أكرم { وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ } (سورة الرعد: 8).
ومن تجاوز عن معسر تجاوز الله عنه يوم القيامة.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ".
وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، وَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ".
وروى مسلم – أيضاً – عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أُتِيَ اللَّهُ تعالى بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: - وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ.
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالى: "أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي".
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ".