المعوذتان هما سورتا الفلق والناس وقد ورد لهما فضل كبير في صرف الهموم والأسقام ولذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على قولها والرقية بهما. وفي سورة الفلق المستعاذ به مذكور بصفة واحدة وهي أنه رب الفلق ، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات ، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد. أما سورة الناس؛ فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث : وهي الرب والملك والإله ، والمستعاذ منه آفة واحدة ، وهي الوسوسة . فما الفرق بين الموضعين ؟
أن الثناء يجب أن يتقدر بقدر المطلوب ، فالمطلوب في سورة الفلق سلامة النفس والبدن ، والمطلوب في سورة الناس سلامة الدين .
وهذا تنبيه على أن مضرة الدين وإن قلت ، أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت..".
الرقية بالمعوذتين:
ومما ورد في
الرقية أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بهما؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، كلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها.
وأما كون سبب نزولهما رقية النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد ذكر بعض المفسرين هذا الأمر.
سبب نزول المعوذتين:
ففي أسباب النزول للشيخ الواحدي: قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت إليه اليهود ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ويرى أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن وجعل يدور ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب قال: وما طب؟ قال: سحر قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف: قشر الطلع والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح. فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ما شعرت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا هو مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه أحد عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى سورتي المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله أو لا نأخذ الخبيث فنقتله فقال: أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شراً.
وفي لباب النزول للسيوطي: وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوذه بهما فخرج إلى أصحابه صحيحا.
وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي وعزاه ابن الملقن للرافعي.وقال ابن حجر في الفتح: وفي حديث زيد بن أرقم عند عبد بن حميد وغيره: فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام كأنما نشط من عقال.
فضل المعوذتين:
قال الألباني في السلسلة الصحيحة: زيادة نزول جبريل بـ ( المعوذتين ) سندها صحيح أيضا. ولها شاهد من حديث عمرة عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له : لبيد بن أعصم ، وكانت تعجبه خدمته ، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه : ما وجعه ؟ قال: مطبوب . فقال : من طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم . قال : بم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة وجف طلعة ذكر بـ ( ذي أروى ) ، و هي تحت راعوفة البئر . فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عائشة فقال : يا عائشة ! أشعرت أن الله قد أفتاني بوجعي ، فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغدا أصحابه معه إلى البئر ، وإذا ماؤها كأنه نقيع الحناء ، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سيفه كأنه رؤوس الشياطين ، قال : فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه ، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فأتاه جبريل بـ ( المعوذتين ) فقال : يا محمد*( قل أعوذ برب الفلق )* وحل عقدة ، *( من شر ما خلق )* وحل عقدة حتى فرغ منها ، وحل العقد كلها ، وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك راحة . فقيل : يا رسول الله ! لو قتلت اليهودي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد عافاني الله عز وجل ، وما وراءه من عذاب الله أشد.