هل تفنى الجنة، ومن فيها من حور عين، وغلمان وولدان، والنار، وما فيها، والسماوات، والأرض، والعرش عند النفخة الأولى في الصور المؤذنة بفناء المخلوقات، ثم يعيد الله خلقها عند النفخة الثانية، التي يقوم عندها الناس للحساب؛ لأن الله تعالى قال: كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه، ثم تخلد الجنة وأهلها، والنار وأهلها، والسماوات، والأرض، والعرش بعد الحساب؟
قال مركز الفتوى بإسلام ويب: إن ساكني الجنة من الحور العين وغيرهم، يتناولهم الاستثناء المذكور في آيات النفخ في الصور، كقوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ {النمل:87}، وقوله عز وجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ {الزمر:68}، على خلاف بين أهل العلم في تعيين هؤلاء المستثنين.
وأوضح مركز الفتوى في فتوى أخرى أنه اختلف في هذا المستثنى من هم؟ ففي حديث أبي هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون إنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهو قول سعيد بن جبير أنهم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش، وقال القشيري: الأنبياء داخلون في جملتهم، لأن لهم الشهادة مع النبوة، وقيل: الملائكة، قال الحسن: استثني طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين، قال مقاتل: يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل: الحور العين، وقيل: هم المؤمنون، لأن الله تعالى قال عقب هذا: "من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون"، وقال بعض علمائنا: والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح والكل محتمل، قلت: خفي عليه حديث أبي هريرة وقد صححه القاضي أبو بكر العربي فليعول عليه، لأنه نص في التعيين وغيره اجتهاد. والله أعلم.
وقال الدكتور عمر الأشقر في كتاب القيامة الكبرى: صنف من عباد الله لا يفزعون عندما يفزع الناس، ولا يحزنون عندما يحزن الناس، أولئك هم أولياء الرحمن الذين آمنوا بالله وعملوا بطاعة الله استعداداً لذلك اليوم، فيؤمنهم الله في ذلك اليوم، وعندما يبعثون من القبور تستقبلهم ملائكة الرحمن تهدئ من روعهم وتطمئن قلوبهم: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {الأنبياء: 101-103} والفزع الأكبر: هو ما يصيب العباد عندما يبعثون من القبور: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {إبراهيم: 42} ففي ذلك اليوم ينادي منادي الرحمن أولياء الرحمن مطمئناً لهم: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ {الزخرف: 68ـ69} وقال في موضع آخر: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {يونس: 62ـ 64}.
اقرأ أيضا:
استخدام الكونفيجات الإنترنت بعد انتهاء البيانات المتاحة..هل يجوز؟اقرأ أيضا:
ما معنى قول النبي: "لا تفضلوني على يونس بن متى"؟.. آداب وفضائلاقرأ أيضا:
أشك في خيانة زوجتي فهل من حقي الاستعانة بالوسائل العلمية لإثبات جريمة الزنا؟ومضى مركز الفتوى قائلًا: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: أما الاستثناء فهو متناول لمن في الجنة من الحور العين؛ فإن الجنة ليس فيها موت، ومتناول لغيرهم. ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله، فإن الله أطلق في كتابه.
وقال ابن القيم في كتاب الروح: استثنى الله سبحانه بعض من في السماوات ومن في الأرض من هذا الصعق، فقيل: هم الشهداء. هذا قول أبى هريرة، وابن عباس، وسعيد بن جبير. وقيل: هم جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. وهذا قول مقاتل، وغيره. وقيل: هم الذين في الجنة من الحور العين وغيرهم، ومن في النار من أهل العذاب وخزنتها. قاله أبو إسحق بن شاقلا من أصحابنا. وقد نص الإمام أحمد على أن الحور العين والولدان لا يمتن عند النفخ في الصور، وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}.