من الأمور الاعتقادية التي ذمتها الشريعة الإسلامية ونهت عنها" الطيرة" أو التشاؤم بأي أمر سواء كان مرأى أو مسمع، أو شخص أو زمان أو مكان، أو معلوم، أو موهوم. ذلك لأن الطيرة تفسد النية، وتصد عن الوجهة، وتفتح أبواب الشر والضر، وتعد بالهلاك أو الخسر، فمبناها على الوهم وسوء الظن، وفيها التشبه بأهل الجاهلية، والشرك في الربوبية بنسبة شيء من التصرف والتدبير لأحد من البرية وأمور وهمية، فأصلها الوهم وسوء الظن، وفرعها الشرك والوهن، فهي نقص في العقل، وانحراف في المعتقد، وضلال في العمل عن الصراط المستقيم، ولحاق في الغاية بركب ومآل أهل الجحيم، فالتشاؤم أو الطيرة أيها المسلمون عقيدة فرعونية، وسنة من سنن أهل الجاهلية ومهلكة وخسارة أرضية، وحادة إلى الجحيم حتمية.
إن التشاؤم أو التطير هو الاعتقاد بأن الشيء المسموع أو المرئي أو الشخص أو الزمان أو المكان أو غير هذه الأمور مما قد يرد على خاطر المتشائم أو المتطير مشؤما، أي اعتقاد أو اعتبار أن وجود سبب في حدوث ما يحزن أو يضر أو يشقى أو يهلك ولا يبقي في نهاية الأمر، فإن أصل الطيرة أن أهل الجاهلية كانوا ينفرون الطير أو يزجرون الوحش فيرسلونها ويستدلون بأجناسها أو أصواتها أو اتجاهها على حظوظهم ونهاية أمورهم لمستقبله في الخير أو الشر ثم غلب لفظ الطيرة على التشاؤم لأن للأثر الحاصل من دلالة الطيران على الشؤم دلالة أشد على النفس لأن توقع الضر أدخل في النفوس من رجاء الخير، ثم أطلق على كل حدث أو شخص أو زمان أو مكان يتوهم منه متوهم أنه كان سبباً لحاق شر به فصار مرادفاً للتشاؤم، بحسب ما يقول الشيخ عبدالله بن صالح القصير في "الألوكة".
كما أن التشاؤم أو الطيرة يعتبر فساد في النيات وانحراف في المعتقدات وتأليه لشيء من المخلوقات وسوء ظن برب البريات وأخذ بمسالك الضلال أهل الجاهليات، فمتى ما استعمل المرء الطيرة أو التشاؤم فرجع بسببها من سفرة أو امتنع من أجلها عن أمر كان قد عزم عليه فقد قرع باب الشرك بل وقد لجه وارتكس في عفنه، وبرئ من التوكل على الله، وفتح على نفسه باب الخوف من الخلق والتعلق على غير الله ومن توكل على كل شيء وكل إليه، وقيض له شيطان فهو له قرين يصده عن ذكر الله، ويفسد عليه دينه ودنياه، وكم أهلك بذلك من هلك بخسارة دنياه وأخراه فما أضل المتشائمين، وما أخسر صفقتهم بين العالمين، فهم أخسر الناس دنيا وأشقاهم يوم الدين قال تعالى عن آل فرعون ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي طائرهم ما قضى عليهم وقدر لهم أي شؤمهم عند الله وجاءهم من قبله بكفرهم بالله وتكذيبهم بآياته ورسله ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي ظنوا أن ما أصابهم من المصائب والنكبات بسبب دعوة موسى عليه السلام ومن آمن معه ووجودهم بين ظهرانيهم وإنما جاءهم الشؤم بسبب كفرهم وظلمهم وبغيهم فإن الإجرام والذنوب هي المذهبة للنعم والملك المهلكة للأمم والشعوب.
وقال تعالى عن أهل القرية المكذبين للمرسلين ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾والمعنى أن المرسلين عليهم الصلاة والسلام ردوا على أهل القرية المكذبين المتشائمين قائلين: حظكم وما أصابكم من شرك بسبب أفعالكم الإجرامية، وكفركم برب البرية ومخالفتكم الناصحين فليس هو بسببنا ولا من أجلنا بل ببغيكم وعدوانكم فطائر الباغي الظالم معه فما أصابه من ضر أو وقع به من شر فهو بسبب ما هو عليه من الظلم والكفر وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله، أن شؤم المتشائم راجع عليه وتدبيره للكيد لأولياء الله تدبير من الله عليه واستعجال لعقوبة الله له.
اقرأ أيضا:
كلما رأيت الخير.. أسرع الخطى إليهوفي المأثور عن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«لا عدوى ولا طيرة»، وقال:«الطيرة شرك الطيرة شرك»، وقال:«الطيرة ما أمضاك أو ردك»، وقال:«من ردته الطيرة فقد أشرك»، وقال:«ليس منا من تطير أو تُطير له»، وقال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً كفارة الطيرة أن تقول:«اللهم لا خير إلا خيرُك ولا طير إلا طيرُك ولا إله غيرُك»، وقال:«إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأت بالحسنات إلا أنت ولا يرفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك».
إنما الطير شرك لما فيها من ادعاء علم الغيب ونسبة شيء من التصرف لغير الله وتعلق قلب المتطير بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله واعتقاد ما ليس سبباً في شيء لا شرعاً ولا قدراً سبباً فيه.
اقرأ أيضا:
لماذا لا نشعر ببركة الوقت وتمر أعمارنا سريعًا؟اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من أحياها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر..تدخل السرور في قلوب المؤمنين وتشيع الراحة