ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: "برجاء التكرم ببيان الحكم الشرعي في القيام بتهذيب أشجار الزينة في بعض الحدائق العامة على أشكال تحاكي بعض الحيوانات، كالدببة، أو الفيلة، أو بعض الطيور، أو بعض الشخصيات الكرتونية التي تظهر ملامح الوجه الإنساني؛ فهل هذا جائز؟"
وأجاب الدكتورشوقي علام، مفتي الديار المصرية بأن "تهذيب أشجار الزينة على أشكال تحاكي صور الحيوانات أو الشخصيات الكرتونية، ليس من التصوير المنهي عنه في شيء؛ بل هو جائز شرعًا؛ لانتفاء علة عبادتها وتقديسها، مع تحقق المصلحة؛ فإن في تزين الحدائق بهذه الأشكال ما يُسعد الأطفال ويُدخل السرور عليهم وعلى أسرهم، ولأجل ذلك جعلت الحدائق العامة".
وأضاف: "وجعل الأشجار كهيئة الصور المجسمة لا يخرجها عن كونها أشجارًا تحتاج للرعاية والسقاية ومداومة التهذيب، لتظل مخضرة مورقة، كما أنه لا يدخلها في التجسيم والتمثيل المنهي عنه: فإن التمثال حقيقةً: هو ما يصنع من مادةٍ صلبةٍ، ويشغل حيزًا من الفراغ، وتصوير الأشجار بهذه الصور وإن استُخدم فيه بعضُ الأخشاب أو المواد الصلبة إلا أنه لا يخلو من التجويف والفراغ بين أركانها، ولا يخرجها عن الهيئة الشجرية لها، فلا تكون تمثالًا في هيئتها ولا في مادتها".
وتابع المفتي في رده: "وقد أجاز جماعة من الفقهاء المحققين اتخاذَ التماثيل إذا لم يقصد بها العبادة، ونصوا على أن تحريم التماثيل الوارد في الشرع إنما جاء سدًّا لذريعة عبادتها، وحسمًا لمادة تقديسها، فأما المجسمات على صور الحيوانات والبشر التي لا تُتَّخَذُ للعبادة فلا تحرم، فالنهي عن اتخاذ التصاوير والتماثيل التي على هيئة ذوات الروح وعن صناعتها، لم يكن لكونها محرمة في ذاتها، بل لما ارتبط بها في الجاهلية من العبادة، فإذا زالت عنها تلك العلة جاز اتخاذها".
ونقل في هذا السياق قول الإمام ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/ 9، ط. دار الكتب العلمية): [والذي أوجب النهي عنه في شرعنا والله أعلم: ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب] اهـ.
كما استشهد بقول الإمام النووي في "شرح مسلم" (14/ 91، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما رواية "أشد عذابًا" فقيل: هي محمولة على من فعل الصورة لتُعْبَدَ، وهو صانع الأصنام ونحوها؛ فهذا كافر، وهو أشد عذابًا، وقيل: هي فيمن قصد المعنى الذي في الحديث من مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك] اهـ.
واستطرد المفتي قائلاً: "فإذا أمن الناس من مظنة عبادتها، وغدت مجرد زينة أو حلية، ولم تُوضَع مَوْضعَ قداسةٍ لصورتها: فقد زالت علةُ تحريمها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن توضع الصورة في البيت بحيث تشغل عن الصلاة، أو في موضع يوحي بمظنة تقديسها، ولم ينه عن وضعها إذا زالت هذه العلل عنها، وأباحها للمصلحة".
اقرأ أيضا:
ما حكم الطلاق المعلق حال الغضب؟ودلل المفتي بما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها، أنه كان لها ثوب فيه تصاوير، ممدود إلى سهوة، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إليه، فقال: «أَخِّرِيهِ عَنِّي»، قالت: فأخَّرته فجعلته وسائد.
وعنها رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر وقد اشتريت نمطًا فيه صورة، فسترته على سهوة بيتي، فلما دخل كره ما صنعت وقال: «أَتَسْتُرِينَ الْجُدُرَ يَا عَائِشَةُ؟» فطرحته فقطعته مرفقتين، فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة. أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
وأوضح: "كما أن النصوص قد وردت بجواز اتخاذ التماثيل إذا خلت عن علة العبادة أو التقديس، وكان في اتخاذها منفعة ولو يسيرة، كالتسلية عن الأطفال باتخاذها لعبًا وعرائس لهم، لإدخال السرور عليهم، وتدريبهم على تربية أولادهم فيما بعد".
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل يتقمَّعن منه، فيسر بهن إلي فيلعبن معي" متفق عليه.
وعن الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذ ابن عفراء رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ»، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار. متفق عليه.
وانتهى المفتي إلى أنه "بناءً على ذلك: فتهذيب أشجار الزينة على أشكال تحاكي صور الحيوانات أو الشخصيات الكرتونية، ليس من التصوير المنهي عنه في شيء؛ بل هو جائز شرعًا؛ لانتفاء علة عبادتها وتقديسها، مع تحقق المصلحة؛ فإن في تزين الحدائق بهذه الأشكال ما يُسعد الأطفال ويُدخل السرور عليهم وعلى أسرهم، ولأجل ذلك جعلت الحدائق العامة".