لا تنتهي الدروس والعبر من قصة سيدتنا آسيا امرأة فرعون، التي كانت تجارتها مع الله غالية، استبدلت بها قصرا في الجنة، لتترك قصرها الذي كانت تعيش فيه بالدنيا.
فبالرغم من أنها كانت تعيش منعمة في قصرها بالدنيا، تحت يديها الكثير من الجواري والعبيد وحياتها مرفهة ، متنعمة ، أتاها الله من جمال العقل وماله ما يخلد ذكراها إلى يوم الدين، ومنحها الله سبحانه وتعالى من الحكمة والإيمان والجمال ما تفوق به نساء اليوم بكثير، ومع ذلك لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه في قصر فرعون ،عن الإيمان ولم يغرها أنها كانت زوجة لرجل لم يكتف بملك لا يدانيه ملك، فزعم أنه إاله، واستخف قومه فأطاعوه؛ وعبدوه من دون الله!!.
إلا أنها ومع حياتها في ظل مجد هذا الرجل وسؤدده المزيف، أبت إلا أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، لتستبدل قصر الدنيا بقصر الأخرة، لكنها لم تمر مواقفها مرورا آمنا بل امتحنها الله امتحانا شديدا، فما قصتها؟.
عاشت آسيا امرأة فرعون كماة ذكرها القرآن الكريم، يحيط بها الخدم والحشم، والحراس، وكانت القصور التي تقيم فيها مع زوجها قصورا يفوق وصفها الخيال. نعيم وجاه ومال، وجمال وكنوز تتضاءل إلى جوارها كنوز كسرى ملك الفرس، وأباطرة الرومان.
بل أنها كانت تعامل معاملة زوج الإله وما به من تقديس لها، ومع ما كانت فيه هذه السيدة العظيمة، إلا أنها غضت الطرف عن ذلك كله، واتجهت لربها بكل حواسها وآمنت به حق الإيمان فاستحقت ما وصفها به رب العالمين بأنها مثل صالح باقٍ للإيمان يضرب به المثل لكل نساء العالمين إلى يوم الدين.
قال الله تعالى في سورة التحريم آية رقم 11 «وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين».
من هي آسيا؟
آسيا بنت مزاحم بن عبيد بن الريان ابن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف عليه السلام.. وكانت على نسبها ورفعة قدرها شديدة الجمال حسنة الخلق فتمنى الزواج منها الكثيرون إلا أن نصيبها جاء من فرعون مصر وملكها! وكان هذا الزواج هو الاختبار الذي نجحت فيه بجدارة واستحقت عليه لقب إحدى سيدات أهل الجنة الأربع.
تزوجت آسيا من فرعون أكثر أهل الأرض غرورا «وان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين»يونس 83.
استطاعت آسيا أن توازن في حياتها بين طاعة ربها وحسن معاشرة أخبث الأزواج على الإطلاق، فرعون ذلك الحاكم المتغطرس الذي ادعى أنه اله!.
ولم تكن رضى الله عنها راضية عن أفعال زوجها من علو وتكبر وفساد في الأرض وتعذيب لبنى إسرائيل وتقتيل لأولادهم في ذلك الوقت.
وكانت تخفى إيمانها بالله عنه فهي كانت مؤمنة من قبل أن يولد موسى . ثم آمنت بموسى بعد بعثته «عليه السلام».
وقد اختلف المفسرون حول إنجاب السيدة آسيا فمنهم من يؤكد انها لم تلد مطلقا ومنهم من يؤكد أنها كانت لا تلد سوى البنات.
اظهار أخبار متعلقة
مصير الماشطة
جاءت آسيا إلى زوجها المتكبر عندما قتل الماشطة التي كانت تمشط ابنتها … الماشطة التي قالت لفرعون متحدية : ربي وربك الله. نتيجة لذلك التحدي قذفها في زيت يغلي هي وأولادها.
فلم ترض زوجته آسيا عندما أخبرها عن أمر الماشطة.
قالت له : الويل لك ما أجرأك على الله.
فقال لها : لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى الماشطة؟
فقالت : ما بي من جنون ولكني آمنت بالله رب العالمين.
وبعد ذلك دعا فرعون أمها فقال لها : إن ابنتك قد أصابها ما أصاب الماشطة !
فأقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإله موسى .
فخلت بها أمها وأرادتها أن توافق فرعون، ولكنها أبت وقالت : أما أن أكفر بالله فلا والله.
وعندما رأى فرعون تمسكها بدينها وإيمانها خرج على الملأ من قومه فقال لهم : ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟
فأثنى عليها القوم.
فقال : إنها تعبد ربا غيري !
فقالوا : أقتلها.
اقرأ أيضا:
النبي دانيال ..هذا ما حدث له من أسدين سلطهما بختنصر عليه ونبي آخر يحمل له الطعامعذاب شديد
و لما عجز فرعون عن رد اسيا عن دينها، امر جنده باخذها لصحراء مصر القاحلة و ربط يديها و رجليها بين أربعة أوتاد و تركها بلا ماء و لا طعام تحت الشمس الحارقة!
ظلت على تلك الحال ثلاثة أيام، ومع كل هذا أبت الرجوع عن الدين الحق وكل تلك الحيوانات وحشرات الصحراء التي تمر عليها!.
مر عليها فرعون في اليوم الأول يعرض عليها التراجع ؟ قالت : لا والله، ما زادني هذا إلا إيماناً و يقيناً. وفي اليوم الثاني أيضا مر عليها فرعون : ألا تتراجعين ؟ قالت : لا والله ما أتراجع . وفي اليوم الثالث قال لها : ألا تتراجعين؟ قالت : لا أتراجع .
قال فرعون : اقتلوها، احملوا صخرة إلى أعلى مكان ثم ارموا الصخرة عليها من فوق، فإن رجعت عن قولها فهي امرأتي، وأخذ يتلذذ بتعذيبها وهذا شأن الطغاة في كل زمان ..
وفي أثناء ذلك نظرت إلى ما عند الله فقالت :
{ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }.
و كشف الله عن بصيرتها فأطلعها على مكانها في الجنة، ففرحت وضحكت وكان فرعون حاضراً هذا المشهد !
فقال : ألا تعجبون من جنونها ؟ إنا نعذبها وهي تضحك !
فقبض الله روحها إلى الجنة رضي الله عنها .. وألقيت الصخرة عليها .. فلم تجد ألما لأنها ألقيت على جسد لا روح فيه، فقد توفيت قبل ذلك.