سورة الشرح هي سورة الفرج في القرآن الكريم، التي بشرت بأن وراء كل عسر يسر، فما أن تسمع السورة وهذه الآية إلا وتشعر بالأمر، وأن لكل عسر يسر، ولكل أزمة أو بلاء نهاية، فهي من سور القرآن الكريم التي تتكرر على أسماعنا ونحن بحاجة إلى تدبرها ومعرفة ما فيها من الحكم والفوائد العظيمة سورة الانشراح.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَك * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب ﴾ [الانشراح: 1-8].

 ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك ﴾ خطاب رباني، موجه لنبيه محمد صلى اللهُ عليه وسلمن ليذكره كيف امتن الله عليه وعلى العباد جميعا، ليدله على شكر النعمة، .

وفي هذا النداء الإلهي، دعوة لإقبال النبي بعد أن شرح الله صدره، لشرائع الدين، والدعوة إلى الله والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات، فلم يكن ضيقًا حرجًا لا يكاد ينقاد لخير ولا تكاد تجده منبسطًا كما قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾[الأنعام: 125]، وكان من دعاء نبي الله موسى عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ [طه: 25].

وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَأُتِيتُ فَانْطُلِقَ بِي، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا، قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: مَا يَعْنِي؟ قَالَ: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً".

وقوله تَعَالَى: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَك ﴾، أي: غفرنا لك ما سلف من ذنوبك.

﴿ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك ﴾، بيان إلهي لخطر الإثم والمعصية، في أنها تثقل على صاحبها، وتمنع عنه القوة، والبركة، فأنقض ظهرك أي الذي أثقله حتى سمع نقيضه أي صوته، قال بعضهم: وإنما وضعت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل مع كونها مغفورة لشدة اهتمامهم بها وندمهم منها وتحسرهم عليها.

: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك ﴾، والذكر هنا هو الىذان الذي يرفع في كل بلاد الدنيا خمس مرات في اليوم والليلة، فقد روى الضحاك عن ابن عباس رضي اللهُ عنهما قال: "يقول له: لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى وأيام التشريق، ويوم عرفة، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح وفي مشارق الأرض ومغاربها، ولو أن رجلًا عبد الله جل ثناؤه وصدق بالجنة والنار وكل شيء ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم ينتفع بشيء وكان كافرًا، وقيل: أي أعلينا ذكرك فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك ولا دين إلا ودينك يظهر عليه، وقيل: رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات، والظاهر أن الآية عامة تشمل ذلك كله".

اقرأ أيضا:

سر صمت "يونس" بعد خروجه من بطن الحوت

الفرج الإلهي

ويأتي الإذن بالفرج الإلهي والغعلان عن أن لكل أزمة ولكل كربا فرجا: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ هذه بشارة من الله لرسوله ولأمته، وجرى على الرسول صلى اللهُ عليه وسلم عسر حينما كان بمكة يضيق عليه، وفي الطائف وكذلك في المدينة مع المنافقين، وقد أنجز الله له ما وعده ويسر أمره فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز، واليمن، ووسع ذات يده حتى كان يعطي الرجل المئين من الإبل ويهب الهبات العظيمة ويدخر لأهله قوت سنة.

هذا اليسر الذي حصل للنبي صلى اللهُ عليه وسلم سيكون لأمته، كذلك قَالَ تَعَالَى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

 وروى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".

 وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: "خَلَقْتُ عُسْرًا وَاحِدًا، وَخَلَقْتُ يُسْرَيْنِ، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ"[6].

قال الشاعر:

و ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَب ﴾، أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطًا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة.

ثم يأتي قوله تعالى بالإعلان الحاسم من أجل سعادة الدنيا والأخرة: ﴿ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب ﴾، قال الثوري: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزَّ وجلَّ.