قد يفكر الإنسان طويلا في مخلوقات الله، ويسأل عن أي المخلوقات خلقها الله أولا، وربما يجول في فكره أن تكون الملائكة ومن بعده بني البشر هم أول المخلوقات التي خلقها الله تعالى، وهذا غير صحيح، ومصدر معرفة أول المخلوقات وكيفية الخلق هو الخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما فَهمه أهل العلم منهما، إذ لا مصدر لذلك غير الوحي ، وما عدا ذلك فهو فرضيات وتوقعات، وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى، في مقدمة كتابه البداية والنهاية: وكان من أعظم نعمه عليهم -أي على بني آدم- وإحسانه إليهم بعد أن خلقهم ورزقهم ويسر لهم السبيل، وأنطقهم، أن أرسل رسله إليهم، وأنزل كتبه عليهم؛ مبينة حلاله وحرامه، وأخباره وأحكامه، وتفصيل كل شيء في المبدأ والمعاد إلى يوم القيامة، فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم، والأوامر بالانقياد، والنواهي بالتعظيم.
والحقيقة التيوردت في القرآن والسنة تقول إنه لا مصدر حقيقي لمعرفة بداية الخلق غير الوحي المعصوم، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الملك: 14].
وقد تعددت أقوال العلماء في أي المخلوقات خلق أولاً؟ فمنهم من قال بأن الماء أول المخلوقات، ومنهم من قال بأن أول المخلوقات هو العرش، ومنهم من قال بأن القلم هو الأول، ومأخذهم في ذلك من فهمهم للنصوص التي تحدثت عن هذا الموضوع.
وقد أجمع علماء الإسلام قاطبة -لا يشك في ذلك مسلم-أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، كما دل عليه القرآن الكريم.
واختلف العلماء: "هل كان قبل خلق السماوات والأرض شيء مخلوق قبلهما؟ فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لم يكن قبلهما شيء، وأنهما خلقتا من العدم المحض، وقال آخرون: بل كان قبل السماوات والأرض مخلوقات أخر، لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [سورة هود: 7].
اقرأ أيضا:
قال له أوصني يا رسول الله.. فماذا قال له.. تعرف على تفاصيله الهدية النبويةواختلاف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال، منها:
أن القلم أول المخلوقات، واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أولَ ما خلق اللهُ القلم، فقال له: اكتبْ، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))، وهو اختيار ابن جرير الطبري، وابن الجوزي.
- أن الماء أول المخلوقات: واستدلوا بحديث عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله، أين كان ربنا - عز وجل - قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: ((في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء))[.
أن أول المخلوقات النور والظلمة؛ ذكره ابن جرير، وعزاه إلى ابن إسحاق.
أن العرش أول المخلوقات، واستدلوا بحديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء))[.
وحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض)) .
وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وشارح الطحاوية، وقال ابن حجر نقلاً عن أبي العلاء الهمداني: إنه قول الجمهور، ومال إليه ابن حجر، وهو الراجح، والله أعلم.
وأجابوا عن حديث أبي رزين بأنه غير صحيح، وأجابوا عن حديث عبادة بن الصامت بأن الأولية إنما هي راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق، فيكون المعنى أنه عند أولِ خلقه قال له: اكتب.