كانت فترة طفولةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم متفردة في كل شيء ولا تشبه غيرها في حياة الأطفال، فقد كانت إعداد وتهيئة من الله عز وجل لخاتم رسل وأنبيائه منذ نعومة أظافره لينهض بأعباء الرسالة، وشهدت هذه الفترة العديد من المعجزات وأشهرها حادثة شق صدره الشريف .
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام ذات يوم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصَرَعه، فشقَّ عن قلبه، فاستخرج القلب، ثم شق القلب فاستخرج منه عَلَقة، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسَله في طستٍ من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَه وأعاده في مكانه، وجعل الغلمان يَسْعَون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمدًا قد قُتِل، فجاؤوا وهو منتقعُ اللون، فقال أنسٌ: فلقد كنتُ أرى أثرَ المِخْيَط في صدره.
وقالت حليمة: "فبينما هو يلعبُ خلف البيوت هو وأخوه من الرضاعة في بُهْمٍ له (النبي عليه الصلاة والسلام نشأ مع الغنم منذ صغره، يلعب مع البُهْم)؛ إذ أتى أخوه يشتدُّ [جاءنا أخوه الذي كان يلعب معه، وأنا وأبوه في البُدْن (مع الجِمال)]، فقال: إن أخي القُرَشي أتاه رجلانِ عليهما ثيابٌ بِيض، فأخذاه وأضجعاه فشقَّا بطنه، فخرجتُ أنا وأبوه نشتدُّ (لإدراك الغلام الذي شُقَّ بطنه)، فوجدناه قائمًا قد انتقع لونه - تغيَّر - فلما رآنا أجهش إلينا وبكى، قالت: فالتزَمْتُه أنا وأبوه، فضمَمناه إلينا، فقلنا: ما لك بأبي أنتَ؟ فقال: أتاني رجلانِ وأضجعاني فشقَّا بطني وصنعا به شيئًا ثم ردَّاه كما هو، فقال أبوه: والله، ما أرى ابني إلا وقد أُصيب (أي: حدث له شيء مكروه)، الحَقي بأهلِه فرُدِّيه إليهم قبل أن يظهر له ما نتخوَّف منه، قالت: فاحتملناه فقَدِمنا به على أمه، فلما رأَتْنا أنكرَتْ شأنَنا (لأنهم ألحُّوا عليها، وطلبوا منها في البداية ولما سمحت لهم رجعوا بعد ثلاثة أو أربعة أشهر بهذه السرعة)، وقالت: ما أرجعكما به قبل أن أسألَكماه وقد كنتُما حريصينِ على حبسه؟ فقلنا: لا شيء إلا أن قد قضى الله رضاعه وسرَّنا ما نراه، وكنا نؤويه كما تحبون أحب إلينا (فما اقتنعت آمنة)، فقالت: إن لكما شأنًا، فأخبراني ما هو؟ فلم تَدَعْنا حتى أخبرناها (لما رأى الصبي الآخر من قدوم اثنين وشقِّ صدره وبطنه وصنعا به شيئًا وردَّاه كما هو)، فقالت: كلَّا والله، لا يصنع الله ذلك به، إن لابني شأنًا، أفلا أُخبِرُكما خبرَه؟ إني حملتُ به، فوالله ما حملتُ حملًا قط كان أخفَّ عليَّ منه، ولا أيسرَ منه، ثم أُرِيتُ حين حملتُه أنه خرج مني نورٌ أضاء منه أعناق الإبل ببُصْرى (قصور بُصْرى البعيدة عن مكة، نور عظيم أضاء أعناق الإبل ببصرى)، ثم وضعتُه حين وضعتُه، فوالله ما وقع كما يقع الصبيان، لقد وقع معتمدًا بيديه على الأرض، رافعًا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما، فقبضَتْه وانطلقنا".
تعد حادثة شق الصدرالتي حصلت له عليه الصلاة والسلام أثناء وجوده في مضارب بني سعد - من إرهاصات النبوة ودلائل اختيار الله إياه لأمر جليل.
وقد روى الإمام مسلم في صحيحِه حادثة شق الصدر في صغره، فعن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصَرَعه فشقَّ عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طستٍ من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمه، ثم أعاده في مكانِه، وجاء الغلمان يَسْعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو مُنتقِع اللون، قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر المِخْيَط في صدره.
ولا شك أن التطهير من حظِّ الشيطان هو إرهاصٌ مبكِّر للنبوة، وإعدادٌ للعصمة من الشر وعبادةِ غير الله، فلا يحلُّ في قلبه إلا التوحيدُ الخالص، وقد دلَّت أحداث صباه على تحقُّق ذلك؛ فلم يرتكب إثمًا، ولم يسجد لصنم، رغم انتشار ذلك في قريش، بحسب ما يذكر الكاتب السيد مراد سلامة في "الألوكة".
وتحدَّث الدكتور البوطي عن الحكمة في ذلك، فقال: يبدو أن الحكمة في ذلك إعلان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتهيؤه للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية؛ ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته، إنها إذًا عملية تطهير معنوي، ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي، ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين أسماع الناس وأبصارهم.
إن إخراج العَلَقة منه تطهيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم من حالات الصبا اللاهية العابثة المستهترة، واتِّصافه بصفات الجد والحزم والاتزان، وغيرها من صفات الرجولة الصادقة، كما تدلنا على عناية الله به وحفظه له، وأنه ليس للشيطان عليه سبيل.
روى محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابنا: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((لقد رأيتُني وأنا غلامٌ يفع بمكة مع غلمان قريش، نحمل حجارة على أعناقنا، وقد حملنا أُزُرَنا فوطأنا على رقابنا؛ إذ دفعني دافع ما أراه، وقال: اشددْ عليك إزارك، فشددت إزاري))، وهذا من نذر الصيانة ليكون عليها ناشئًا، ولها آلفًا.
وروى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: ((ما هممتُ بشيء مما كان في الجاهلية يعملون به غير مرتين، كل ذلك يحول الله تعالى بيني وبين ما أريد، فإني قلتُ ليلةً لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة: لو أبصرتَ إلى غنمي حتى أدخل مكة، فأسمر بها ما يسمر الشباب، فقال: أفعَلُ، فخرَجْتُ أريد ذلك حتى إذا جئتُ أولَ دار من دور مكة، سمعت عزفًا بالدفوف والمزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان بن فلان تزوَّج فلانة ابنة فلان، فجلست أنظر إليهم، فضرب الله على أذني فنمتُ، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، قال: فجئت صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما صنعت شيئًا، وأخبرته الخبر))، قال: ((ثم قلتُ له ليلة أخرى مثل ذلك، فقال: أفعلُ، فخرجتُ فسمعت حين جئتُ مكة مثل ما سمعت، ودخلت مكة تلك الليلة، فجلست أنظر، فضرب الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مسُّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر، ثم ما هممتُ بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته((.
فهذه أحوال عصمته قبل الرسالة، وصده عن دنس الجهالة، فاقتضى أن يكون بعد الرسالة أعظَمَ، ومن الأدناس أسلَمَ، وكفى بهذه الحالة أن يكون من الأصفياء الخيرة إن أمهل، ومن الأتقياء البررة إن أغفل، ومن أكبر الأنبياء عند الله تعالى من أرسل، مستخلص الفطرة على النظرة، وقد أرسله الله تعالى بعد الاستخلاص، وطهَّره من الأدناس، فانتفت عنه تُهَم الظنون، وسلم من ازدراء العيون؛ ليكون الناس إلى إجابته أسرع، وإلى الانقياد له أطوع.
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبيناقرأ أيضا:
أول جمعة بالمدينة.. ماذا قال فيها النبي؟