لاشك أن عطاء الله عز وجل لا ينفد وليس له نهاية، ولا يمكن بالأساس تحديده، أو الوقوف عليه لاحتسابه أو عده، لكن عطاء الإنسان مهما كان فهو محدود، ومع ذلك ترى الله عز وجل يفرح لعطاء العبد، ويعوضه عن هذا العطاء بالفيض الكبير.
ففي سورة الإنسان، يتحدث المولى عز وجل عمن يطعم الطعام للناس، وكأنه يحث كل الناس على ذلك، ويعلهم أن المقابل سيكون أكبر مما يتخيلون.. فترى إنسان ما يطعم يتيمًا أو مسكينًا، كما بين المولى عز وجل في قوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»، فتكون جائزته فضل يصل لـ13 آية متواصلة، تبدأ بأن الله عز وجل يبلغنا بأنه لا يريد منا مقابل بينما عطاؤه لنا وجزاؤه علينا فوق كل تصور.
لوجه الله
المولى عز وجل في هذه السورة العظيمة، إنما يريد أن يؤكد علينا أنه لا يريد منا أبدًا أي جزاء أو شكور على عطاياه لنا، بينما هو في المقابل، يشكرنا بذاته العليا لو أقدمنا على فعل خير، خصوصًا لو كان فيه مساعدة للغير، فيقول سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا».
لذا انظر إلى هذه الآيات وتدبرها جيدًا، ستجد كيف يرد الله عز وجل لك عطاياك ولو كانت قليلة، ولو كانت مجرد إطعام بعض الناس، قال تعالى: «إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا.. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا.. وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا.. مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا.. وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا.. وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا.. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا.. وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا.. عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا.. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا.. وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا.. عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا».. 13 آية جميعها عطاء وجزاء من الله تعالى مقابل أن تطعم بعض الناس فقط.. فأي عطاء هذا سوى أنه عطاء الملك الجبار!.
اقرأ أيضا:
أمر محرم بهذا الوقت في يوم الجمعة ويأثم جميع أطرافه.. احذر أن تقع فيه فتفسد جمعتكمن أنت؟
السورة تبدأ بالتعريف بالإنسان بأنه لم يكن شيئًا يذكر قبل سنوات قليلة، والآن كبر واستغنى وأصبح صاحب مال وأملاك، فبدأ يعتريه الكبر وليعاذ بالله، فكأن الله عز وجل طوال هذه السورة العظيمة يحاول أن يوقظ الإنسان من غفلته، بأن يعود إلى الله خالقه، ليس هذا فحسب وإنما يذكره بكم من النعم لا ينفد إذا استجاب، وأطعم الناس، وفعل الخير، ويذكره بأنه لا يريد منه شيئًا على كل عطاياه له، لكن إن هو منح أحدهم شيئًا نال من الله الفيض الكبير.