اشتهر عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي بـ"أبي سليمان الداراني"، وداريا، قرية من قرى دمشق ، وهو شخ العارفين وإمام في الزهد ومعرفة أحوال النفوس ومقاماتها.
قال ذو النون المصري: تسمعوا ليلا على أبي موسى الداراني فسمعوه يقول: يارب إن طالبتني بسريرتي طالبتك بتوحيدك، وإن طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك، وإن جعلتني من أهل النار أخبرت أهل النار بحبي إياك.
عبارات التوكل والمحبة:
وقال أبو سليمان: من أحسن في نهاره كفي في ليله، ومن أحسن في ليله كفي في نهاره، ومن صدق في ترك شهوة كفي مؤنتها، وكان الله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له.
وقال أبو سليمان: لو توكلنا على الله ما بنينا الحائط، ولا جعلنا لباب الدار غلقا مخافة اللصوص.
وسأل رجل أبا سليمان عن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله , فبكى وقال: مثلك يسأل عن هذا! أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، أن يطلع على قلبك، وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة غيره.
وقال: إذا استحى العبد من ربه عز وجل فقد استكمل الخير.
وقال: كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع.
وقال أبو سليمان: لا تجيء الوساوس إلا إلى كل قلب عامر، رأيت لصا قد يأتي الخرابة ينقبها وهو يدخل من أي الأبواب شاء، إنما يجيء إلى بيت فيه رزم وقد أقفل ينقبه ليستل الرزمة.
وقال أبو سليمان: قد أسكنهم الغرف قبل أن يطيعوه، وأدخلهم النار قبل أن يعصوه، وقد كان عمر بن الخطاب يحمل الطعام إلى الأصنام والله يحبه، ما ضره ذاك عند الله طرفة عين.
وكان يقول: جوع قليل وسهر قليل وبرد قليل يقطع عنك الدنيا.
وقال ابن أبي قلت لأبي سليمان: لم أوتر البارحة ولم أصلِّ ركعتي الفجر، ولم أصل الصبح في جماعة، قال: بما كسبت يداك: وما الله بظلام للعبيد.."شهوة أصبتها".
اقرأ أيضا:
عم الرسول يشهد "بيعة العقبة" وينقل للنبي أسرار قريش هو على الشركقصة عجيبة:
وقال أيضا: كنت ليلة باردة في المحراب فأقلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد، وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها، فآليت على نفسي أن لا أدعو إلا ويداي خارجتان حرا كان أو بردا.
وقال ابن أبي الحواري قال لي سليمان: يا أحمد إني أحدثك بحديث، فلا تحدث به حتى أموت: نمت ذات ليلة عن وردي فإذا بحوراء تنبهني وتقول: يا أبا سليمان تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمس مائة عام.
مواعظ جامعة عن الدنيا:
وقال أبو سليمان: الدنيا تطلب الهارب منها، وتهرب من الطالب لها، فإن أدركت الهارب منها جرحته، وإن أدركها الطالب لها قتلته.
وقال أبو سليمان: مفتاح الآخرة الجوع، ومفتاح الدنيا الشبع، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله.
وكان يقول: العيال يضعفن يقين الرجل، لأنه إذا كان وحده فجاع فرح، وإذا كان له عيال طلب لهم، وإذا جاع الطالب فقد ضعف اليقين.
وقال أيضا: إذا جاءت الدنيا إلى القلب ترحلت الآخرة، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تجئ الآخرة تزحمها، وإذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها، لأن الدنيا لئيمة والآخرة عزيزة.
وقال أبو سليمان: كيف يترك الدنيا من تأمرونه بترك الدنيا والدرهم، وهم إذا ألقوها أخذتموها أنتم.
وقال: كل ما شغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو عليك مشئوم.
قال أبو سليمان: إذا ذكرت الخطيئة لم أشته أن أموت، قلت: أبقى لعلي أتوب.