: الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية السابق رد علي هذا التساؤل قائلا إن صلاة الجمعة شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، حثَّ الشرع على السعي إليها والاجتماع فيها والاحتشاد لها؛ توخيًّا لمعنى الترابط والائتلاف بين المسلمين؛ ولذلك افترضها الله تعالى جماعةً؛ بحيث لا تصح مِن المكلَّف وحدَه مُنفرِدًا؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۞ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 9-10
مفتي الديار المصرية استدل علي فضل صلاة الجمعة بما روي عن طارق بن شهاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أًو امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رواه أبو داود في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال النووي في "خلاصة الأحكام"، وصححه البلقيني في "البدر المنير".
الدكتور شوقي علام استدرك قائلا : والأصل في صلاة الجمعة أن تُصلى في مسجدٍ واحدٍ دون تعدد؛ بحيث يجتمع فيها أهل البلد وما قرب منها؛ كما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده.
ودلل المفتي علي ذلك بما قاله الإمام التقي السبكي الشافعي في "فتاويه" (1/ 175، ط. دار المعارف): [ومن محاسن الإسلام: اجتماعُ المؤمنين كل طائفة في مسجدهم في الصلوات الخمس، ثم اجتماع جميع أهل البلد في الجمعة، ثم اجتماع أهل البلد وما قرب منها من العوالي في العيدين، لتحصل الألفة بينهم ولا يحصل تقاطع ولا تفرق] اهـ.
ومضي الدكتور شوقي علام للقول :غير أنه إذا دعت الحاجة إلى تعددها في أكثر من مسجد؛ بأن كان البلد واسعًا، أو تباعَدَت نواحيه، أو شقَّ على مَن بَعُدَ منزلُه الإتيانُ لمحل الجمعة: فقد أجاز جمهور العلماء التعدد بقدر الحاجة؛ فعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون؟ قال: "لكل قوم مسجد يجمعون فيه، ثم يجزئ ذلك عنهم" أخرجه عبد الرزاق في "المصنف
وبحسب مفتي الديار المصرية فقد نص العلماء أيضًا على أنه لا يضر تأخير صلاة الجمعة عن وقتها إذا تعددت في أكثر من مسجدٍ؛ فلا يشترط في تعددها أن تقع كلها في وقتٍ واحدٍ؛ بل لو تأخرت جماعة بعد جماعة: صحت صلاتهم جميعًا، والحاجة في ذلك تقدر بقدرها؛ قال العلامة الجاوي الشافعي في "نهاية الزين" (ص: 139، ط. دار الفكر): [وحاصل ما يقال في هذه المسألة: إن التعدد ان كان لحاجة جاز بقدرها على الأصح، وصحت صلاة الجميع؛ سواء وقع إحرام الأئمة معًا أو مرتبًا] اهـ.
وأشار علام إلي أن ووقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، حتى نقل بعض الفقهاء الاتفاق على ذلك؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 144، ط. دار الفكر): [فإن الجمعة تبقى إلى آخر وقت الظهر] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 223، ط. دار المعرفة): [ووقت الجمعة ما بين أن تزول الشمس إلى أن يكون آخر وقت الظهر قبل أن يخرج الإمام من صلاة الجمعة، فمن صلاها بعد الزوال إلى أن يكون سلامه منها قبل آخر وقت الظهر فقد صلاها في وقتها وهي له جمعة] .
وأكد الدكتور علام إلي إلى أن صلاة الجمعة تُصلى في مسجدٍ واحد دون تعدد، غير أنه إذا دعت الحاجة إلى تعددها في أكثر من مسجد؛ بأن كان البلد واسعًا، أو تباعَدَت نواحيه، أو شقَّ على مَن بعُد منزلُه الإتيان لمحل الجمعة: فذلك جائز عند جمهور العلماء، ولا يضر حينئذٍ تأخير جماعة عن جماعة، ووقت الجمعة هو وقت الظهر، حتى نُقِلَ الاتفاق على ذلك.
ومضي للقول في نهاية الفتوي فإذا جاز ذلك جاز تعدد الجُمَعِ في المسجد الواحد من باب أولى؛ إذ إنه يوافق ما اشترطه الفقهاء من اتحاد المسجد في البلد الواحد ما لم تكن هناك حاجة، فإذا دعت الحاجة إلى تعددها في مسجد واحد كان ذلك أولى من تعددها في أكثر من مسجد؛ لاتحاد الموضع وإن تكررت فيه الجماعة لمكان الحاجة؛ إذ ذلك أنأى من الخلاف، وأدعى للائتلاف، والصلاة على هذه الصفة صحيحة ومجزئة، ما دامت مكتملة الشروط والأركان، على أن الحاجة في ذلك تقدر بقدرها، فإذا لم يعد للتعدد حاجة رجع الحكم فيه إلى الأصل وهو عدم الجواز.