قديمًا قال أحد الحكماء: «المعمي بسوء النية، لا يستحق جهد التبرير»، وما ذلك إلا لأت سيء الظن، كأنه يعيش في ملكوته هو، وعالمه هو، لا يسمع سوى صوت عقله المريض، يشك في كل الناس، ويبرر لنفسه بأن الكل ينوي إيذائه، يغلق على نفسه أحيانًا كثيرة، ويتمنى لو أن كل العالم قاطعه، وحينما يقترب منه أحدهم، ربما للمساعدة، يتصور أنه إنما يقترب منه لمصلحة ما.
سيء الظن، يدور في فلكه، ويتصور أن العالم أجمع إنما يتابعه هو، ويحقد عليه هو، ويحسده هو، ويراقبه في صمت، وقد يصل الأمر بأحدهم أن يعيش وهم الخوف والقلق طوال الوقت، ويخشى الناس، ولو سألته لماذا، يبرر بأن كل الناس تكرهه، ولا أحد يتمنى له الخير أبدًا.. لذا مثل هؤلاء لا تجتهد معهم في التبرير، عليك بالدعاء لهم بالشفاء من هذا المرض اللعين، ثم اتركهم لحال سبيلهم وسر في طريقك.
وهم.. ولكن!
سيئو الظن، واهمون طوال الوقت بأنهم على حق، لذا الجدال معهم يضيع الوقت في الفارغ، ولن تصل إلى أي جديد أبدًا، وهكذا كان حال المنافقين، يراءون الناس فقط، لكن يعيشون في سوء ظن والعياذ بالله مع ربهم، لكن الله يعلمهم ويعلم سرهم ونجواهم، فقال سبحانه: « وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ».
لم يكن الله ليقول هذا الكلام عن المنافقين (سيئي الظن)، إلا لأنه يعلم تمامًا أنه فائدة أو أمل فيهم، ففورا توعدهم بأن عليهم دائرة السوء، وغضب عليهم، وذلك نتاج أعمالهم وسوء ظنهم في الله سبحانه وتعالى.. فإذا كان الله تعالى حسم الأمر مع سيئي الظن به، فكيف بك وأنت مجرد بشر تتصور أنك ستغير ما يدور في خلد وعقل سيئي الظن بك أو بغيرك؟!.
يتبع هواه
عزيزي المسلم، سيء الظن، لا يتبع إلا هواه، وبالتالي من المستحيل أن يتوافق هواه مع هواه هذا، لأنك تبحث عن الحقيقة، وهو يعيش في وهم صنعه هو بنفسه لنفسه، فيظل يجادلك بالباطل، حتى تمل وتيأس، وربما ليس فقط تضيع وقتك معه دون فائدة، وإنما ربما هو يؤثر فتكون الخسارة أكبر.
لذلك قال الله عز وجل فيهم: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَاإِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ » (الأنعام: 148).