تأمل وأنت في هذه الحياة حال الناس في تعاملاتهم تجدها رغم تنوعها متبعة تحتاج لصبر لاسيما لتعاملات التجارية التي رهق الذهن والبدن جميعا وهذه الأمور إن لم تجد ما يعضدها من اخلاقيات البشر ربما ضجروا وانصرفوا فأدبيات التعامل هي التي تصر الأطراف المتعاملة على ابتلاع الصعوبات بل واستعذابها في بعض الأحيان.
إن ما نسميه أدبيات هو ما دعا إليه الإسلام من اخلاقيات التعامل الآمن بالصدق والأمانة وشكر المنعم وشكر نم يحسن إليك والصبر على الجاهل واحتواء المقصر والضعيف وبهذا ننصر ونرتقي.
وإذا كان شأن الحياة أن تستمر بالشكر فإن الله تعالى جعل له منزلة عظيمة في الإسلام فلا يخلو حال المؤمن من سراء تستدعي الشكر أو ضراء تستدعي الصبر وبها بلغ الشكر مبلغا عظيما ووعد الله عليه بجزيل الثواب.
منزلة الشكر في الإسلام:
مقام الشكر هو مقام المحبين فلقد أنعم الله تعالى على عباده بنعم كثيرة لا تعد وتحصى وواجب هذه النعم الشكر لتحقيق عبودية المنعم فهذه عبودية أهل العافية، أن يقوموا لله بشكره، قال الله تعالى : قَالَ الله تَعَالَى : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ البقرة/152 ] . وقال تَعَالَى : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ إبراهيم /7 ، وقال تعالى، في صفة دعاء العبد الصالح: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ الأحقاف/15.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا رواه مسلم.
وعن معاذ بن جبل: أن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - أخذ بيدِه وقال: يا معاذُ ؛ والله إني لأحِبُّك .
فقال: أُوصيكَ يا معاذ ؛ لا تَدَعن في دُبُر كُل صلاةٍ تقول: اللهُمَّ أعني على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتك" صححه الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: " ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 5] منزلة الشكر
وهي من أعلى المنازل. وهي فوق منزلة الرضا وزيادة. فالرضا مندرج في الشكر. إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.
وهو نصف الإيمان - كما تقدم - والإيمان نصفان: نصف شكر. ونصف صبر.
الشكر يحقق العبودية لله:
العبودية تعني في أبسط معانيها الاعتراف بالإله ورد الفضل له والإذعان لجانبه واشكر يحقق لك كل هذا فأنت حين تشكر الله تعترف له بالفضل ولقد وعد الله عباده الشاكرين بالزيادة حين قال: لئن شكرتم لأزيدنكم"ـ ولهذا وأثنى على الشاكرين ووصف به خواص خلقه. وجعله غاية خلقه وأمره. ووعد أهله بأحسن جزائه. وجعله سببا للمزيد من فضله. وحارسا وحافظا لنعمته. وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته. واشتق لهم اسما من أسمائه. فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا. وهو غاية الرب من عبده. وأهله هم القليل من عباده. قال الله تعالى: واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون وقال واشكروا لي ولا تكفرون وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين - شاكرا لأنعمه وقال عن نوح عليه السلام إنه كان عبدا شكورا وقال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون وقال تعالى: واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وقال تعالى: وسيجزي الله الشاكرين وقال تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد، وقال تعالى: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور.
وسمى نفسه شاكرا وشكورا وسمى الشاكرين بهذين الاسمين. فأعطاهم من وصفه. وسماهم باسمه. وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا.
أفلا أكون عبدا شكورا:
والمحب لحبيبه صلى الله عليه وسلم المتتبع لسيرته يجده دائم شكر نعم الله عليه وإعادة كل نعمة للمنعم سبحانه فالشكر إذا منزلة الأنبياء والأصفياء والمحبين قال تعالى: وإن تشكروا يرضه لكم" والشاكرين من خواص الله لقوله: وقليل من عبادي الشكور، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تورمت قدماه. فقيل له: تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا؟