تتركز دعوة الإسلام حول ما فيه صلاح الإنسان في الدنيا والآخرة، وعلى هذا دارت تشريعاته وآدابه، ولأن الإنسان هو وحدة بناء الأسرة التي هي وحدة بناء المجتمع كان له حظ وافر في الاهتمام به ليكون فردًا نافعًا له دور إيجابي يؤديه في هذه الحياة.
ومن رعاية الإسلام بالإنسان أن شرع له ما يزكيه ويعزز قوته ويعلي قدره ويطمئن فؤاده كي يحيا حياة كريمة بعيدة عن التطرف والغلو عن الإفراط والتفريط، من هنا كانت نظرة الإسلام للفرد نظرة شمولية إذ دعاه لتكوين أسرة نافعة تضيف لهذا المجتمع لبنة في بناء التقدم إذ الأسرة التي تضم الآباء والأُمهات، والأجداد والجدّات، والبنات والأبناء، وأبناء الأبناء هي اللبنة الأولى والبذرة المتألّقة في صناعة وإنتاج المجتمع (صالحًا كان أو فاسدًا)، وهي منبت الرّجال وهي أول درجة من درجات بناء المجتمع الصالح.
أهمية الأسرة:
تظهر أهمية بناء الأسرة باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز التربية الأساسية فهي المؤثر الأول وهي أقوى تلك الركائز التي ينبغي أن تقوم على جوانب اجتماعية وخلقية وروحية؛ لأهميتها في حياة المسلم الذي يتلقى أول دروس الحياة منها.. ويلعب الآباء فيها دوراً كبيراً في تنشئة الجيل المسلم الذي يحمل نور الهداية إلى العالم أجمع.
وتعد الأسرة الجدار العازِل، الذي يمنع الأعداء من دخول بلادنا حقًّا، كما لأنها وهي المؤسسة الوحيدة -إلى اللحظة- التي لا زالت صامدة أمام الهجمات الفكرية والأخلاقية، ومن هنا ندرك كيف يحاول أعداء المجتمعات تقويض هذا البناء الراسخ بتشريعات موازية لما جاء به الإسلام رغبة في كسر الجدار وتحرر الأفراد وشيوع التطرف والشذوذ حتى لا يأمن احد على نفسه وغيره وبهذا يصير الإنسان في مهب الريح تتخطفه الشهوات والشبهات ومجتمع هذا وصفه حري أن يقع بلا مقاومة ويجبن في مواطن النزال.
نظرة الإسلام للأسرة:
تختلف نظرة الإسلام للأسرة عن غيره من الديان لا سيما الأرضية التي تعلي قيمة المال وتحرض على النفعية وحب الجاه؛ فالإسلام يعتبر الأسرة وعاء هي المسكن الآمن والملاذ الهادئ من صراعات الحياة ولذا دعاء أركان هذه الأسرة بالصلاح وحثهم على السعي الدائب في الأرض لنشر الخير بحق دون تطلع أو فتور.
وقد وعد من يتتبع المنهج الحق إعمار الأرض بجزيل الثواب وطيب العطاء في الدنيا والاخرة يقول ربنا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].. فمن يبغي الحياة السعيدة التي يبحث عنها الأغنياء فلا يجدوها هي هنا في الإسلام هي حياة الرضا ولقناعة وحب الخير والإيثار هي التعاون على الخير يقول سبحانه: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123].
ولا يقف العطاء الإلهي لمن اتبع منهج الحق على خير الدنيا فقط لكنه يمتد للآخرة يقول عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور: 21 - 24]. ويقول عزّ شأنه: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 70 - 72].
مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة:
ويجدر ان نقف وقفة خفيفة مع ما شرعه الإسلام حفاظا على كيان الأسرة واستقرارها ومن هذا أن دعا للزواج والتزواج واعتبره سنة ثابتة لجميع الكائنات قال سبحانه: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [الرعد: 3] وقال عزّ شأنه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49]، وقال بصفة العموم: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس: 36]، والزواج يعني السكن والطمأنينة والهدوء من عواصف الحياة وامواجها العاتية التي تلفح بشهواتها الأفراد ويغرق في بحر شبهاتها الضعفاء، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. فتكوين الأسرة دين، والحفاظ عليها إيمان، ومكافحة ما يهدد كيانها جهاد.
من هنا كانت عناية الإسلام بالزواج وسيلة لاستقرار الأسرة وراحة الأفراد فشره ما يزكي هذه العلاقة ووضع لها ضوابط اختيار الزوجين ورغب أن يكون الدين هو المعيار فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». وكما في الحديث المتفق عليه -عند البخاري ومسلم- من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ".