يعاني كثيرون وخاصة في وقت الأزمات من الضيق والهم والحزن ومن يترك نفسه لهذه المور تصيبه الوساوس وبالتالي يعرض نفسه للأمراض العضوية والنفسية. كيف تزيل الهم؟
ولأن الإسلام دين يحافظ على الإنسان ويحفظ له نفسيته ويحافظ على كيانه فلا يرضى أن يصاب أتباعه بما يكدر عيشهم ويقلل عطاءهم ولذا جاءت تشريعاته سمحة تعالج كل ما يطرأ بل وتضع وسائل وقائية حتى لا يتعرض المسلم لما يضره وهي بمثابة الأدوية الربانية، ومنها:
1. احرص على تثبيت الإيمان في قلبك؛ فإن القلب الذي يعمر بالإيمان الثابت فيه من القوة ما يحطم كل ماضٍ أليم ، وشر مستطير ، ويتحطم على هذا القلب القوي الثابت كل ضلال مبين .
2. ابذل من وقتك ما تتعلم به العلم الشرعي النافع ، وانظر لشخصية العلماء كيف هي قوية متينة ، وانظر لطموحهم في طلب العلم كيف هو عالٍ كبير ، فبالعلم تستطيع بناء الثقة في نفسك ، وتكون به طموحاً لأن تكون في مصاف العلماء .
ولا تنس العمل بالعلم ، ولا خير فيمن يعلم ولا يعمل ، بل علمه سيكون حجة عليه ، والعلماء العاملون من أكثر الناس انشراحاً للصدور ، ومن أكثر الناس طموحاً ، فهم يحرصون أشد الحرص على تعليم الناس ، ودعوتهم ، وإيصال الإسلام إلى أقاصي الدنيا .
3. لا تنشغل بماضيك الأليم ، ومزِّق ورقته ، وتقدَّم للأمام ، ولا تنظر إلى الوراء ، وكل ذلك نافعك إن شاء الله ، وفي عكسه الضرر والألَم ، فما فات لن ينفعك تذكره ، ولا العيش على آلامه ، بل اجعله دافعاً لك لأن تعوضه بالأمل ، والطموح ، والحياة الجديدة السعيدة ، واجعله عبرة لك أن تسلك الطريق ذاته مع أولادك .
4. اغفر لوالديك صنيعهم معك ، وتجاوز عن أخطائهم في حقك ، ولا بدَّ من هذا حتى يكون قلبك أبيض كالثلج ، وحتى لا تجعل للشيطان طريقاً إلى قلبك ليبغضك بهم ، وقدِّر حالهم من الضعف ، والجهل ، حتى تجد لهم أعذاراً في فعل ما فعلوه واعلم أن الله تعالى أمر ببر والديك والإحسان إليهما ، حتى وإن جاهداك على أن تشرك بالله تعالى قال الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
5. لا تقارن نفسك بمن هم أحسن منك حالاً ، حتى لا تزدري نعمة الله عليك ، وانظر لمن هم دونك ؛ حتى تعلم عظيم فضل الله عليك .
6. اقرأ سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، واتخذه لك قدوة حسنة ، وانظر كيف كانت طفولته مليئة بالآلام ، و
الأحزان ، فقد ولد فقيراً يتيم الأبوين ، ثم لم يلبث أن مات جده ، ولم يكن هذا مانعاً من أن يكون إماماً للناس يقود الجيوش ، ويسير السرايا ، ويفتح البلدان ، ويعلم الجاهل ، وينصر المظلوم .
7. خالط أصحاب الهمم العالية ، وتجنب أصحاب الهمم الدنيئة ، فللصحبة أثرها الحسن والسيئ ، فاحرص على صحبة من ينفعك .
8. تذكَّر أن الشيطان يحرص أشد الحرص على إحزانك ، وتكدرك ، وتثبيط عزائمك ، فقابل ذلك بقوة اليقين بالله تعالى ، وبالطاعات ، ولا تنس أن تستعيذ بالله دوماً من الشيطان الرجيم .
9. أخيراً : الزم
الدعاء ، وتحيَّن أوقات الإجابة ، تسأل ربك من فضله العظيم ، وتعوذ به من كل هم ، وغم ، وحزَن ، وتسأله أن يوفقك لمعالي الأمور .
الحكمة من الابتلاء:
والله تعالى حين يبتلي المسلم بما يكره فإن ذلك قع بحكمة، ولا يزال المسلم يبتلى من ربه تعالى
بالهم ، والغم ، والحزَن ، والمؤمن العاقل هو من يعلم أن في هذا التقدير أحد أمرين :
الأول : أن يكون ذلك عقوبة على معاصٍ يرتكبها ، وآثام يفعلها ، وإنما يقدِّر الله تعالى عليه ذلك حتى يرجع ، ويتوب ، ويدع ما هو فيه من فعل للسيئات ، وتركٍ للواجبات .
والثاني : أن يكون ذلك ابتلاءً لرفع الدرجات ، وتكفير السيئات ، وليس أمام المؤمن ما يفعله هنا إلا الصبر ، والاحتساب ، والحرص على إزالة تلك الهموم والغموم بمزيد من الطاعة، وكثير من العمل الصالح .
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة:
ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وسائل كثيرة يمكن للمؤمن أن يستعين بها لحياة قلب سعيدة ، وسعادة نفس فسيحة ، وقد جمع الشيخ رحمه الله هذه الوسائل في رسالة لطيفة سمَّاها " الوسائل المفيدة للحياة السعيدة " ، وقد قال في مقدمتها :
" فإنَّ راحة القلب ، وطمأنينته ، وسروره ، وزوال همومه ، وغمومه : هو المطلب لكل أحدٍ ، وبه تحصل الحياة الطيبة ، ويتم السرور ، والابتهاج ، ولذلك أسباب دينية ، وأسباب طبيعية ، وأسباب عملية ، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين ، وأما من سواهم : فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب ، يجاهد عقلاؤهم عليه : فاتتهم من وجوه أنفع ، وأثبت ، وأحسن حالاً ، ومآلاً .
الثقة بالله.. تطرد الهم والحزن:
من يتوكل على الله فهو حسبه ومن تق الله يجعل له مخرجا فتقوى الله وتجديد الثقة به سبحانه وتعالى أفضل ما يمكن للمسلم أن يستمسك به في هذه الحياة ومن ثمرات هذا ان يعيش هادئ القلب مطمئن الفؤاد لا تنازعه الوساوس والأوهام والحزان وبهذا يتحقق له خيري الدنيا والآخرة، وقد جاء في السنَّة النبوية ما يبين بجلاء أن الإسلام راعى جانب غرس الثقة في نفوس أهل الإسلام منذ الصغر ، وربَّاهم على الرجولة ، وبناء الشخصية منذ نعومة أظفارهم ، ونضرب لذلك مثلين : الأول :عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ ، هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ : (يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِىَ الأَشْيَاخَ ؟) ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ . رواه البخاري.
فالغلام هنا – وهو ابن عباس – صاحب حق في أن يشرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه عن يمينه ، فاستأذنه النبي صلى الله عليه وسلم في أن يؤثر بنصيبه غيره ، فلم يأذن ! لأنه صاحب قرار ، والحق له ، فقرَّر أن لا يؤثر أحداً على نصيبه ، وهذا لا شك مما يسهم في بناء شخصية الطفل ، ويغرس فيه الثقة .
والثاني : عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ ، فَنَسْأَلُهُمْ : مَا لِلنَّاسِ ؟! مَا لِلنَّاسِ ؟! مَا هَذَا الرَّجُلُ ؟ فَيَقُولُونَ : يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ ، أَوْ : أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا ، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ ، فَيَقُولُونَ : اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا ، فَقَالَ : صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا ، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا ، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ - أَوْ سَبْعِ سِنِينَ - . رواه البخاري.
فأولى بنا ونحن المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان نتمايز عن غيرنا فنقبل على الحياة ونترك الهموم التي ابتلي بها غيرنا ونجدد ثقتنا في الله ولنعلم أن لكل مصيبة حكمة بها ترفع الدرجات وتمحا السيئات فلا نجزع ولا نسخط.