لا يمكن أن تتصور إنسانا سويا بلا قلب أو عقل؛ فالعقل والقلب كلاهما لازم لأن يوصف الإنسان بأن سوي معتدل، وأعني يكون الإنسان عاقلا واعيًا ومدركًا أيضًا ما يفعله. من هنا كان للقلب والعقل مكانة مهمة من الدراسات التي قامت على الإنسان سواء تشريحيًا أو فسيولوجيًا وقد أثبتت جميعها أن القلب والعقل ضروريان للتكليف ودراك الأمور وان تفاوت درجة الأهمية بين القلب والعقل وإن اختلفت أيضا وظائف كلا منهما؛ ففي دراسة حديثة قامت بها هيئة "ميديكال أليرت بايرز غايد"، على عينة من 1011 شخصا، وسألتهم حول طريقة اتخاذهم للقرارات، سواء تعلق الأمر بشراء منزل أو اختيار مسار مهني، والقبول بوظيفة جديدة، وكشفت النتائج أن من يتخذون القرار، بناء على ما يريده القلب، يحققون نجاحا أكبر في المجال المهني، ويعيشون حياة أسعد في نهاية المطاف.
وظائف العقل:
يتباين الإنسان في نجاحه في الحياة بقدر ما يمتلك من قدرات عقلية وذكاء اجتماعي وإدراك لحقائق الأشياء؛
فالعقل لا غناء عنه في تحقيق مكاسب سواء للشخص او من يخالطه إذا
العقل وسيلة الإنسان التي تساعده على أن يميز ويستنبط العلاقات والترابطات وأسلوب حلّ المشكلات بصورة سريعة ودقيقة، كذلك إدراك أوجه الشبه والاختلاف بين الظواهر المختلفة، كما أنه يمنحه القدرة على استخدام الأساليب المبتكرة والاختراعات كل ذلك وأكثر، وكلما كان الإنسان عقالا أي مدركا اكثر كان كانت لديه قدرة أكبر تحقيق النجاح.
ولقد وهب الله انسان بطبيعة الحال عقله وامره بان يستخدمه وسهل له أسباب الإدراك والتعقل وهو سبحانه وتعالى من يحاسبهم على ما توصلوا إليه من نتائج كما أنه في الجانب الآخر رفع التكليف عن غير العقلاء واعتبرهم غير مكلفين بالأحكام الشرعية، ولذا نجد بأن العباقرة ميزوا بما تفضل الله عليهم من قدرة عقلية عالية تساعدهم وتمكّنهم من استخدامها بسهولة وفي كافّة الاتجاهات.
من هنا ندر مدى لف اله بعباده وعلى أي أساس تكون المساءلة فيحاسب الإنسان على مقدار ما يعي ويدرك فالعلماء يختلفون عن الطلاب الذي يختلفون بدورهم عن الجهلاء وهكذا.
وظائف القلب:
وكما أن للعقل وظائف فالقلب أيضا له وظائف إذ به القلب وشعر، ونستشعر إنسانيتنا، و
القلب من التقلب لأنه كثير التمايز لهذا كلّه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في سجوده من قراءة :"اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك" نظراً لتقلبه كما أسلفت، ومما ذكر عن القلب ما روي عن الرسول بأنّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما شاء.
من هنا اكتسب
القلب أهمية بالغة في صلاح الإنسان أو فساده بل إن الله بين أن الفائز يوم القيامة هو فقط صاحب القلب السليم "لَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"، ولولا القلب ما شعرنا بمتعة الحياة فهو الذي به نحب ونكره وهذا الوجود الذي بني على الجمال والكمال وبديع الصنعة وما أقامته شعائر الحب ما كنا سندرك ذلك لولا هذا القلب الرقيق الذي ينبض بين ضلوعنا.
كما أن القلب هو مصدر الإيمان والكفر واليقين، كما بينت ذلك الآية: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" لذا كانت العناية به بالغة الأهمية.
علاقة القلب بالعقل:
العلاقة بين العقل والقلب علاقة مترابطة وقوية لكن المسئول الأول عنها هو القلب ولكن دون العلم بذلك، ولا فمن يتتبع أي القرآن يجدها تظهر هذا بجلاء يقول تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}، بذلك جعل الله تعالى الإنسان يفهم ويفقه بقلبه، وأيضًا قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، وبذلك ينسب إلى القلوب عمل العقل والفكر. مركز المسئولية: حيث قال الله تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.أي أن القلب يطيع وينفذ، ويأثم ويعصي، وبذلك فإنه المسيطر والمسؤول هو القلب وليس العقل. كما أن القلب هو مركز الإيمان والكفر: حيث قال الله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، بالقلب يكون مركز الإيمان والكفر. مركز الإحساس: حيث قال الله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
والترابط بين المؤمنين هو ترابط الشعور والإحساس العميق بينهم، حيث القلب هو المسئول الأول عن مركز الإحساس وبذلك يعكس التصرفات. مركز الوعي في الإنسان: قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}[٩]، حيث يكون القلب هو مركز الوعي وليس العقل، لذا فن صلاح قلوب من راضها الخفية من الضغينة والحسد والحقد من الكره من أولى الأولويات وبهذا يترقي الإنسان وينجو في آخرته ويصير محبوبا بين الناس أيضا يقول صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله"، إن من يفعل هذا ويتحكم في أهوائه يعقله ويكره ما يكره الله ويوطن قلبه وعقله على ذلك هو من أمكنه التوفيق بين القلب والعقل وهو الفائز حقا.