عند الأزمات والشدائد، ربما يتعلق قلبك بالدنيا وتبكي عليها بشكل يظهر مدى حرصك عليها، ولكن عند لحظات الموت، ربماوقتها تكتشف الوهم، والخديعة التي خدعتك بها الدنيا وزخرفها، وترى الحقيقة جلية، ألا وهي حسن الخاتمة، التي يتوقف عليها كل شيئ في هذه اللحظات العصيبة، إما رحمة وسعة، وإما ضيق وعذاب، الأمر الذي يدركه الصالحون، ويعرف معناه الأبرار الخائفون.
قال الله تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132]، وقال تعالى في وصف أُولي الألباب: ﴿ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]، وقال تعالى عن التَّائبين: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين ﴾ [الأعراف: 126].
فربما يغتر الإنسان بالدنيا، وربما يتحول الإنسان عن حاله من المعصية إلى التوبة، أو من الالطاعة إلى المعصية، لذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم فيماورد عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ قلوبَ بني آدم كلَّها بين أصبعين من أصابع الرَّحمن كقَلبٍ واحد، يصرِّفُه حيثُ يشاء)). ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللَّهمَّ مصرِّفَ القلوب، صرِّف قلوبَنا على طاعتك))[4]؛ رواه مسلمٌ.
وعن البراء رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلَس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: ((يا إخواني، لمِثْلِ هذا فأَعِدُّوا))..
و عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدَكم لَيَعمَلُ بعملِ أهل الجنَّة حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبِقُ عليه الكتابُ، فيعمَلُ بعمل أهل النار فيدخُلها، وإن أحدكم ليعملُ بعمل أهل النار، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
فكيف تنقذ نفسك بحسن الخاتمة؟
1_ تحقيق الإيمان: لقوله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم إذا سئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]))[5].
2_ الاستقامة: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت: 30، 31].
وعن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، قُلْ لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: ((قُلْ: آمنتُ بالله، ثم استَقِمْ))، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحَبَّ لقاء الله عز وجل، أحبَّ الله لقاءه، ومَن كرِه لقاء الله عز وجل، كرِه الله لقاءه))، فقالت عائشة: يا رسول الله، كراهية لقاء الله أن يكره الموت، فواللهِ إنَّا لنكرَهُه؟ فقال: ((لا، ليس بذاك، ولكن العبد المؤمن إذا قضى اللهُ عز وجل قبضه، فرَّج له عما بين يديه من ثواب الله عز وجل وكرامته، فيموت حين يموت وهو يحبُّ لقاء الله عز وجل واللهُ يحب لقاءه، وإن الكافر والمنافق إذا قضى الله عز وجل قبضَه، فرَّج له عما بين يديه من عذاب الله عز وجل وهوانه، فيموت حين يموت، وهو يكره لقاء الله والله يكره لقاءه)).
3_فعل العبد ما يوعظ به: لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 66 - 68].
4_ الحفاظ على الصلاة: عن عبدالله رضي الله عنه، قال: "مَن سرَّه أن يلقى اللهَ غدًا مُسلمًا، فليحافِظْ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنَّ، فإن الله شرع لنبيِّكم صلى الله عليه وسلم سننَ الهدى، وإنهن من سننِ الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته، لتركتُم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سنةَ نبيكم لضلَلْتُم، وما من رجلٍ يتطهَّر فيُحسِن الطهورَ، ثم يعمدُ إلى مسجدٍ من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكلِّ خطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلينِ حتى يُقامَ في الصف".
5_ فعل الطاعات وترك السيئات: لقوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21].
6_ اختيار الصحبة الصالحة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرجلُ على دين خليلِه، فلينظُرْ أحدكم مَن يُخالِل))[12].
7_ المداومة على الطاعة وعبادة الله: لقوله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
8_ تجدد التوبة لكل ذنب: لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]، ولقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
9_الاهتمام بصلاح القلب: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات، لا يعلَمُهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَن اتَّقى الشبهات استبرأَ لدينه وعِرْضه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يُوشِك أن يرتَعَ فيه، ألا وإنَّ لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الجسد كله، ألا وهي القلب))[16]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صُوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))[17].
10_ الصدق مع الله: عن شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه: أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمَنَ به واتَّبعه، ثم قال: أُهاجِرُ معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابه، فلما كانت غزوةٌ، غَنِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سبيًا، فقَسَمَ وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرَهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمتُه لك))، قال: ما على هذا اتَّبعتُك، ولكني اتَّبعتُك على أن أُرمَى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهمٍ فأموت فأدخل الجنة، فقال: ((إن تصدُقِ اللهَ يصدُقْك))، فلبِثوا قليلًا، ثم نهضوا في قتالِ العدو، فأُتِي به النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُحمَل قد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أهو هو؟))، قالوا: نعم، قال: ((صدق اللهَ فصدَقَه))، ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدَّمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: ((اللهم هذا عبدُك، خرج مهاجرًا في سبيلك، فقُتِل شهيدًا، أنا شهيدٌ على ذلك)).