كثير منا عاش هذا الزمن، الذي كنا فيه إذا رأينا (المعلم) أو (محفظ القرآن) في الشارع، نجري مسرعين وننزوي بعيدًا خشية أن يرانا من ناحية، واحترامًا وتجليلا له من ناحية أخرى.. أصبحنا في زمن نسمع فيه يوميًا عن طفل أو تلميذ أو طالب أهان مدرسه، وسبه، وربما اعتدى عليه، فلقد رفع الله تعالى شأن العلم وأهل العلم، وأعلى منزلتهم، فقال سبحانه: « يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ » (المجادلة: 11)، فلذلك وجب الاهتمام بالعلم، وتقدير المعلم، وإعطاؤه حقه من التبجيل، وتربية الأبناء على احترامه وتوقيره، لا سيما في هذا الزمان الذي زهد فيه الكثير من الناس طلب العلم.
تكريم أهل العلم
الإسلام أمر صراحة بطاعة وتوقير أهل العلم، ومع ذلك ترى في زماننا هذا، من يهين معلمه، أو يتعرض له بسوء، بل وصل الأمر حد إهانة المعلمات النساء، وهي أمور ما أنزل الله بها من سلطان، بل نهى عنها تمامًا، وجعل من توقير أهل العلم، توقير للأنبياء، لأنهم أصحاب رسالة هامة، وهي العلم، فقد كان سيدنا ابن عباس رضي الله عنه وهو من أشرف بيت، يأخذ بخطام ناقة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويخدمه ويقول: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، وحكي أن هارون الرشيد بعث ابنه إلى الأصمعي، ليعلمه ويؤدبه، فرأى الأصمعي يومًا يتوضأ وابن الخليفة يصب له الماء، فقال له معاتبًا: لم لَمْ تأمره أن يصب لك الماء بإحدى يديه ويغسل بالأخرى رجلك؟ وهذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان يقلب الصفحات بين يدي مالك تقليبًا رقيقًا، حتى لا تصدر الأوراق صوتًا، وذلك هيبة للإمام مالك.. فما بالنا نحن الآن وكيف أصبح حالنا مع أهل العلم؟!.
اقرأ أيضا:
غض البصر طريقك لصفاء الذهن وراحة القلب ورضا الرب .. تعرف على فوائدهمكانة عظيمة
علينا أن نربي أولادنا كما تربينا من قبل، على أن المعلم إنما له احترامه وتوقيره الذي لا مثيل له، بل في بعض الأحيان يسبق في احترامه الوالدين، فهذا نبي الله موسى عليه السلام، وهو كليم الله، ومن أهم أنبياءه، ومع ذلك حينما وصل إلى من يعلمه بعض الأمور وهو سيدنا الخضر، لم يقل له إنه نبي، بل قال له سأتبعك حتى تعلمني، قال تعالى: «قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» (الكهف: 66)، ونحن الآن نسمع عن إهانة المعلم ويمر الأمر مرور الكرام!.. علينا أن نعود للإنصات إلى المعلم كما فعل نبي الله موسى عليه السلام، قال تعالى: «قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا» (الكهف: 70)، وإذا أخطأنا نعتذر سريعًا، «قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا» (الكهف: 73)، فهكذا يكون توقير المعلم، وليس بما يحدث هذه الأيام.