عزيزي المسلم، يا من تعيش بلاء ما، ثم تقنع نفسك أنك من ومع الصابرين، فما أدراك أنك كذلك بالفعل، وأنك لست من المستسلمين السلبيين.. هل تعلم أن الصبر ليس معناه أبدًا أن تضع يدك على خدك وتجلس تنتظر تغير الأحداث، وتتصور أنك بذلك صابرًا، ومتوكلا على الله، والحقيقة، أنك استسلمت لما حدث، واخترت السلبية، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، أي أنه يغير ظروف الناس لمن يتحرك، مع قناعة تامة بأنه يحتسب ما حدث له لله عز وجل، فعن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسًا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: «بل أنتم المتَّكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله».
الوقت والصبر
هل تدرك العلاقة الكبيرة بين الوقت والصبر، بمعنى أنك يصبك بلاء ما، فتخرج للعمل، متوكلا على الله، وتجتهد، لتغيير ما أصابك، ولا تنظر لوقت، فلا تقول المفترض أن يمنحني ربي ما أريد في وقت كذا، فليس هذا بصبر، وإنما الصبر أن يمر الوقت مهما كان، دون أن تشعر بأي ملل أو يأس، أو تستعجل الخروج من البلاء أو رفعه، وإنما أن تكون موقنًا في أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما عند الله عز وجل خيرًا وأبقى.. فالصبر الحقيقي أن تحصل على زادك وتسعى إليه، ثم تنتظر الفرج من الله، وأنت موقن فيه تمام اليقين، فروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) (البقرة: 197)».
اقرأ أيضا:
غض البصر طريقك لصفاء الذهن وراحة القلب ورضا الرب .. تعرف على فوائدهالتوكل والصبر
الصبر الحقيقي، هو المرتبط يقينًا بالتوكل على الله عز وجل، وهو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في مصالح الدين والدنيا، وتفويض جميعِ الأمورِ إليه والاستعانة به، كما قال سبحانه وتعالى: «وعلى الله فليتوكل المؤمنون» (التوبة:51)، وقال سبحانه: «وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه» (هود:123)، وغيرها من الآيات، وأما الصبر الحقيقي المرتبط بالتوكل فيعني ضرورة فعل الأسباب المباحة شرعاً، ثم اليقين في أن ما يفعله إنما هو تمام الصبر والتوكل على الله، وأما الفرج والخلاص فبيد الله سبحانه، وينزله وقتما يشاء، وحتى حينما ينزله، يكون استقباله بالحمد والشكر، وليس بالهتافات التي بلا معنى.