"دا لسه كان معايا" .. "دا أنا لسه مكلمه" .. "دا كان بصحته" .. هذه العبارات يكثر تردادها فور الإخبار بوفاة أحد لا نتوقع موته فيمثل فراقه مفاجأة..
إن موت الفجأة وإن كان من أقدار الله التي تأتي دون توقع تأتي من غير إمهال ولا إخطار ولا علاقة لها إطلاقا بصحة ولو وجود ولا أمنيات بل هو صورة من صور الموت التي وجدت قديما، وزاد انتشارها حديثا بسبب حوادث السير المعروفة اليوم ، والعدوان على الشعوب والأفراد بآلات القتل الحديثة الفاتكة التي تحيط بنا وتحاصرنا من كل جانب..
موت الفجأة هل هو من عمات الساعة؟
ذكرت اللجنة العلمية بسؤال وجواب أنه قد جاء في بعض الآثار والأحاديث أن انتشار موت الفجأة من علامات الساعة، حسَّن هذه الآثار الحافظ السخاوي، وقال : له طرق يقوي بعضها بعضا ، والألباني في " السلسلة الصحيحة)، ويمكن الاطلاع عليها في كتاب: "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة .
هل موت الفجأة خير أم شر؟
لا يمكن الجزم بأنه
موت الفجأة ضرر أو خير لصحابه فهو يحتمل أن يكون خيرا ، ويحتمل أن يكون شرا ، وذلك بحسب اختلاف حال المتوفى ، وما له عند الله عز وجل؛ فإذا كان المتوفَّى من أهل الصلاح والخير ، وله عند الله من الحسنات والأعمال الصالحة ما يُرجَى أن تكون نورا بين يديه يوم القيامة : فجميع صور الموت بالنسبة له من الخير ، سواء موت الفجأة ، أو بعد معاناة سكرات الموت : موت الفجأة رحمة وتخفيف وعفو من رب العباد ، فلا يجد من ألم الموت وشدة سكراته ومعاناة مرضه شيئا يذكر ، وإن وقع له ذلك ولم يكن موته فجأة كان تكفيرا لسيئاته ، ورفعة لدرجاته عند الله ، وذلك تصديق لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله له خير ، وأن موت المؤمن راحة له من نصب الدنيا وعذابها ، إلى نعيم الآخرة .
وتضيف: أما إذا كان المتوفَّى من المقصرين أو الفسقة الظلمة أو الكفرة : فموت الفجأة بالنسبة له نقمة وغضب ، إذ عوجل بالموت قبل التوبة ، ولم يمهل كي يستدرك ما مضى من تفريطه وتقصيره ، فأُخِذَ أخذةَ انتقام وغضب كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ ) رواه أبو داود.
وذكرت: لما كان الجزم بصلاح النفس أو تقصيرها من الأمور العسرة ، وتتفاوت فيها القلوب ، وتتنازعها أسباب الورع والخوف أو الثبات واليقين ، وجدنا في الآثار عن السلف بعض الاختلاف في نظرتهم لموت الفجأة ، فمَن غَلَّبَ جانب الخوف من الله ، وظنَّ في نفسه التقصير : كان يستعيذ من موت الفجأة ، ويرجو أن يكفر الله خطاياه بمعالجة سكرات الموت، ومَن غَلَّب جانب الرجاء ، وسعة رحمة الله : رأى في موت الفجأة فرجا ورحمة وعفوا من الله عز وجل .
السلف وموت الفجأة:
والنظر لموقف السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين من
موت الفجأة يتبين اختلاف أقوالهم وتعارضها الظاهر غير أنه بالتدقيق يتأكد أنه اختلاف تنوع لا تعارض، فعن عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهما قالا :" أسف على الفاجر وراحة للمؤمن : يعني الفجأة " وعن تميم بن سلمة ، قال : مات منا رجل بغتة ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذة غضب , فذكرته لإبراهيم - وقل ما كنا نذكر لإبراهيم حديثا إلا وجدنا عنده فيه - فقال : كانوا يكرهون أخذة كأخذة الأسف .
وتضيف اللجن العلمية أن الأحاديث المرفوعة لم يصح منها شيء سوى الحديث المذكور سابقا : ( موت الفجأة أخذة أسف ) ، مع أن بعض أهل العلم تكلم فيه ، وأشار الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أنه روي مرفوعا وموقوفا ، وذكر أنه الإمام البخاري رحمه الله أشار بترجمته إلى أنه في إسناده مقالا، أما غيره من الأحاديث المتعلقة بموت الفجأة مدحا أو ذما ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ منها : فلم يصح منها شيء .
هل الموت الفجأة ذكر معين؟
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص يحفظ من
موت الفجأة ، وما ينتشر في المنتديات عن ذلك الدعاء الذي يكتب لمن قاله أجر (360) حجة ، ويحفظ من موت الفجأة وغير ذلك ، إنما هو كذب موضوع لا أصل له في كتب السنة، والأولى أن يدعو الإنسان بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ :كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ )