إذا امتلت المجتمعات بالسرقة والغش بالخيانة بالمخادعين بالمرائين فاعلم أن هذه المجتمعات انتزع منه صفات الخير وأخصها صفة الإيثار.

إنك حينما تعطي من مالك سواء أموال أو أمور عينية وتمنحها غيرك وإن كنت في حاجة إليها لا يتصور أنك تسرقها منه بعد ذلك أن تخدعه أو تحسده وبذلك كان الإيثار دواء ناجعًا لكثير من الأمراض التي ابتلي بها بعض المجتمعات.

ولما كان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لأهل الأرض حتى يعيشوا في سلام وأمان دون نزاع دعا إلى صفات الخير وحسن الخلق ورغب في التحلي بصفة الإيثار.

والإيثار معناه أن تعطي مما لك بطيب نفس لغيرك رغبة في الثواب في الآخرة.

وتختلف درجات الإيثار وبهذا يتنافس فيه الصالحون.. فمنهم من يعطي ما لا يحتاج ومنه من يعطي ما يحتاجه وليس ضروريا لديه ومنهم من يعطي ما يحتاجه وإن كان ضروريًا بالنسبة له وبهذا ترتفع منزلة المؤثرين وتتباين درجاتهم.

الإيثار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:

ومن ينظر لحال النبي صلى اله عليه وسلم يعلم كم كان يضحي بما يملك فهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدا يعطي وهو يرى جزاء ما يقدمه ينتظره في الآخرة يعطي وهو يؤثر الباقية على الفانية يعطي وهو يعلم أصحابه أن الصدقة لا تضيع وأن ما تقدمونه هو ما يبقى يقول يوما لعائشة هل تصدقت بالشاة يا عائشة فتقول ذهبت كلها إلا كتفها فيصحح لها النبي هذا قائلا: بل بقيت كلها إلا كتفها.. إن ما تتصدق به هو ما يبقى وغيره مستهلك فان.. لذا كان الإيثار على رأس حسن الخلق وقد وعد الله المؤثرين بالفلاح في الدارين.

من صور الإيثار في  حياة الصالحين:

ومن يتتبع صور الإيثار في حياة الصالحين يجدها أكثر من ن تحصى وهذه بعضها:

عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إيّاه. قالت: ففعلت. قالت: فلمّا أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها.

حكي عن أبي الحسن الأنطاكيّ: أنّه اجتمع عنده نيّف وثلاثون رجلاً بقرية من قرى الرّيّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرّغفان، وأطفئوا السّراج، وجلسوا للطّعام، فلمّا رفع فإذا الطّعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئًا، إيثارًا لصاحبه على نفسه»

عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأس شاة، فقال: إنّ أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى تداولها أهل سبعة أبيات حتّى رجعت إلى الأوّل فنزلت "وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ"

من ثمرات  الإيثار: 

 (1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.

(2) الإيثار يجلب البركة وينمّي الخير.

(3) حصول الألفة والمحبّة بين النّاس.

(4) دليل سخاء النّفس وارتقائها.

(5) الإيثار طريق موصّل إلى الفلاح لأنّه يقي الإنسان من داء الشّحّ

 (6) علامة على حسن الخاتمة.

(7) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضوانه

(8) مظهر من مظاهر حسن الظّنّ بالله.

(9) الإيثار من علامات الرّحمة الّتي توجب لصاحبها الجنّة ويعتق بها من النّار.

(10) الإيثار دليل علوّ الهمّة والبعد عن صفة الأثرة الذّميمة.