السنة النبوية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمور يجب أن تؤخذ على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بمقتضى النبوة، وأخرى بوصفه قاضيا، وثالثة بوصفه مفتيا، وكلها حق فقد كان صلى الله عليه وسله هو صاحب القول في الدنيا والدين.
تساؤلات مثيرة:
قال صلى الله عليه وسلم: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين، فكيف أن تكون له خيانة قلب.
فإن قلت: فما معنى إذا قوله تعالى في قصة زيد: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه...
اظهار أخبار متعلقة
الجواب:
فاعلم- أكرمك الله، ولا ترتاب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأن يأمر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها.
وأصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير
1-عن علي بن حسين- أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه، فلما شكاها إليه زيد قال له: أمسك عليك زوجك، واتق الله، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها.
2- وروى عن الزهري، قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش، فذلك الذي أخفى في نفسه.
ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا: "وكان أمر الله مفعولا"، أي لا بد لك أن تتزوجها.
ويوضح هذا إن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها، فدلّ أنه الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم مما كان أعلمه به تعالى.
3- وقوله تعالى في القصة: ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله مفعولا.
فدل أنه لم يكن عليه حرج في الأمر.
قال الطبري: ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحل مثال فعله لمن قبله من الرسل، قال الله تعالى: سنة الله في الذين خلوا من قبل، أي: من النبيين فيما أحل لهم.
اقرأ أيضا:
"الندم توبة".. التوبة ليست كلمة تقال وإنما منهج متكامل له شروطه (الشعراوي)فرية عظيمة والرد عليها:
ولو كان على ما روي في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند ما أعجبته، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج، وما لا يليق به من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا، ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء، فكيف سيد الأنبياء؟.
قال القشيري: وهذا إقدام عظيم من قائله، وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله.
وكيف يقال: رآها فأعجبته وهي بنت عمته، ولم يزل يراها منذ ولدت، ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم، وهو زوجها لزيد، وإنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها، لإزالة حرمة التبني، وإبطال سنته، كما قال: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم. وقال:
لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم.
تساؤل مهم:
وقال أبو الليث السمرقندي: فإن قيل: فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بإمساكها؟
الجواب:
فهو أن الله أعلم نبيه أنها زوجته، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن طلاقها، إذ لم تكن بينهما ألفة، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به، فلما طلقها زيد خشي قول الناس: يتزوج امرأة ابنه، فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، كما قال تعالى: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا.
وقد قيل: كان أمره لزيد بإمساكها قمعا للشهوة، وردا للنفس عن هواها.
وهذا إذا جوزنا عليه أنه رآها فجأة واستحسنها. ومثل هذا لا نكرة فيه، لما طبع عليه ابن آدم من استحسانه للحسن، ونظرة الفجاءة معفو عنها، ثم قمع نفسه عنها، وأمر زيدا بإمساكها، وإنما تنكر تلك الزيادات التي في القصة. والتعويل والأولى ما ذكرناه عن علي بن حسين.
وقد روي عن الحسن وعائشة: لو كتم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا كتم هذه الآية، لما فيه من عتبة وإبداء ما أخفاه.