أهل العلم أجمعوا علي أن تعريف السنة النبوية الشريفة لغة بأنها الطريقة المعبدة، والسيرة المتبعة، أو المثال المتبع، وجمعها سُنن، وذكروا أنها مأخوذة من قولهم: سنّ الماء إذا والى صبه. فشبهت العرب الطريقة المستقيمة بالماء المصبوب فإنه لتوالي جريانه على نهج واحد يكون كالشيء الواحد، وفي الأساس: سن سنة حسنة، طرّق طريقة حسنة، واستن بسنته. وفلان متسنّن، عامل بالسنة،
فيما عرف بعض اعلام التابعين وتابعي التابعين السنة النبوية الشريفة اصطلاحا بأنها الطريق الذي يتكرر لنوع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة. قال تعالى: «قد خلت سنن من قبلكم فسيروا في الأرض» وقال النبي «لتتبعن سنن من كان قبلكم» والاتباع هو الاقتفاء والاستنان.
علماء مصطلح الحديث والفقهاء توافقوا فيما بينهم علي أن السنة النبويّة الشريفة تعد ثاني مصدرٍ من مَصادر التّشريع في الإسلام؛ فهي "كُلّ ما وَرد عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو سيرةٍ، أو صفة خَلقية أو خُلقية"، وقد نُقلت السيرة جيلاً بعد جيل بطرقٍ صَحيحة واضحة، حيث تُعتبر سيرته وسنّته -عليه الصّلاة والسّلام- من أوضح السير بين الأنبياء والرّسل عليهم السّلام؛
السنة النبوية ومنذ يزيد علي ألف وأربعمائة عام تولت نقل كل ما يتعلق برسول الله صلي عليه وسلم منها الإخبار عن مولده، ونشأته، وصفاته الخَلقية والخُلُقية، وتفاصيل علاقته بأصحابه، وعلاقته اليوميّة مع زوجاته، ومَواقفه مع الآخرين، والحوادث التي حصلت أثناء فترة نبوّته بتفاصيلها، والمَعارك التي خاضها وشارك فيها قبل الإسلام وبعد البعثة، وجميع ما جاء به عن الله من أحكام وأمور شرعيّة، وتطبيقاتها العمليّة في هيئاته وأفعاله وأقواله.
الهدي النبوي "السنة " تضمنت كذلك كل أشكال الهدي النبوي في العادات والمعاملات الدينية والدنيوية بل تضمنت سلوكيات حياتية للنبي في كل حركته وسكناته وقد حثنا الله تعالي علي إتباع سنة النبي صلي الله عليه وسلم كما جاء في قوله تعالي "ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر الأية السابعة .
ويجمع أهل العلم علي أن المحافظة علي أداء سنة النبي صلي الله عليه وسلم أناء الليل وأطراف النهار فريضة إسلامية غائبة وأمرا يجب علي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الالتزام به في الحركة والسكنة والقول والفعل .. فإتباع سنة النبي يجب أن يشكل أولوية في حياة المسلم من أجل أن تنتظم حياته ويفوز برضا الله وإتباع أوامر حبيبه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي نفس السياق اجتهد علماء الحديث والمتخصصون في السنة النبوية في الوصول لتعريف محدد للسنة النبوية المهجورة حيث أجمعوا علي إنها الأفعال والأقوال التي قالها النبي وفعلها وغفل عن فضلها المسلمون فانتشر تركها بينهم.
علماء الحديث قسموا السنن المهجورة إلي مراتب فهي ليست على منزلة واحدة فهي متفاوتة فبعضها لازم النبي فعلها أو قولها وبعضها لم يلازمه ومما لازمه الصلاة الراتبة وصلاة الوتر وترك سنة من السنن أمر غير ثابت، مختلف بحسب الزمان، والمكان، وحال الشخص ومنزلته من العلم والدين، وبيئته؛ فعليه أن يكون حكيما في قوله عن فعل أو قول بأنه سنة مهجورة.
سنة النبي صلي الله عليه وسلم حظت بمقام رفيع وعلو هامة ولكن هذا لا يخفي أن هناك العديد بل المئات من السنن النبوية قد تم نسيانها أو تجاهل الالتزام بها رغم ما يحقق العمل بها من فوائد دينية ودنيوية وعلي رأسها سنة كظم الغيظ في نهار رمضان من السنن المهجورة حيث حث الرسول علي أن يكتم المسلم غيظه في رمضان فعلى الصائم إن سابَّه أحد أو جَهِل عليه أن يقول: "إني صائم إني صائم"،
ثواب إحياء هذه السنة النبوية المهجورة يستند إلي ما رواه سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "... فإذا كان يوم صوم أحَدكم فلا يَرْفُث يومئذ ولا يَصْخَب، فإنْ سَابَّه أَحَدٌ أَوْ قَاتَله فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ .. » رواه البخاري ومسلم، وللأسف نجد البعض يرددون الألفاظ غير اللائقة ولا يقدرون قيمة الشهر المبارك.
فضائل كظم الغيظ في رمضان وغير رمضان جاءت بشكل واضح كما جاء في الأية الكريمة : "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " "آل عمران: 134"
وعليه فإن فضل كظم الغيظ بشكل عام يجعل العبد ينتظر جائزة كبري تخص في المقام الأول الصديقين والشهداء كماء جاء في حديث سيدنا معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله علية وسلم قال"من كظم غيظا وهو قادر عَلَى أن ينفذه دعاه اللَّه سبحانه عَلَى رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره مِنْ الحور العين ما شاء"رواه أبو داود والْتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ومن الثابت هنا أن شهر رمضان ذو مقام رفيع حيث شرفه الله تبارك وتعالى بأنه شهر أنزل فيه القرآن فقال سبحانه "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" بشكل يفرض علي المسلم أن يقتدي بأخلاق الرسول وفي مقدمتها كظم الغيظ والعفو عن الناس باعتبار ان ثواب إحياء هذه السنة الفوز بجنة عرضها السماوات والأرض "مصداقا لقوله تعالي : "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".