يقول الله تعالى في سورة "البقرة" : "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
في رحلة الحياة الدنيا، تفرض بعض المواقف نفسها على الإنسان بما لا يحتمل، خاصة إذا كان هذا الإنسان من النوع المستأنس الذي لم يمر بخبرة مواجهة هذه المواقف، كأن يعتدي عليك أحد الأشرار بدون ذنب، لمجرد أن وجهك لم يعجبه، فوقعت عينك في عينه، ما أثار حفيظته تجاهك، فقام بالتعدي عليك، أو أن أحدا من الناس استضعفك لكثرة أدبك، فأراد أن يخرج أمراضه النفسية فيك، ليختلق معك أي مشكلة يفرض فيها عضلاته عليك ليوجه رسالة للأخرين، أو وضعك حظك العاثر في جوار أحد الجيران السوء الذين لا يملون من اختلاق المشكلات مع جيرانهم.
وقتها ستكون أنت وأبنائك بين شقي الرحى، فإما أن تكون عرضة للإهانة، حال التزمت الصمت على غيرك، أو تضطر للتعامل مع هذا الموقف الذي فرض نفسه عليك.
الشعور بالقهر
وكم من شخص انتحر لسبب بسيط، وكم من غيره يشعر بالقهر المستمر، نتيجة ظهور ضعفه أمام أبنائه وزوجته، فقد حدث مئات المرات لأشخاص نعرفهم أنهم تعرضوا للإهانة أمام زوجاتهم ولم يتحملوا الرد، بل أن كثيرا من الناس تعرضت زوجته أمام عينه للإهانة أو الضرب من قبل بعض الرجال من جيرانه، ولم يجرؤ على الدفاع عنها، الأمر الذي يفقد معه كرامته أمام زوجته وربما تطلب الطلاق، فحتما عليه وقتها إما أن يدافع عنها ويندفع إلى ما لا يحمد عقباه، ليحافظ على كرامته ورجولته، وإما أن يعيش مقهورا بين أبنائه.. فماذا يفعل هذا المسكين، في عالم مملوء بالشياطين.
تناول هذه القضية قديما فيلم "السفيرة عزيزة" الذي وضعت فيه البطلة "عزيزة" العقدة في المنشار للبطل زوجها "أحمد" فإما أن يأتي بإرثها من أخيها المفتري البلطجي، وإما أن يطلقها، وقد اضطر البطل أن يدافع عن زوجته حينما شعر بأن كرامته قد تعرضت للإهانة بدون ذنب بين أخ وشقيقته وليس له من الامر شيء، إلا وبعد أن داس الأخ كرامة الزوج فقد اضطر للدفاع عن رجولته حتى يثبت لزوجته أنه جدير بها وقادر على أن يحميها.
في حين أن بعض الناس قد يؤثر السلامة على نفسه، رافضا أن يدخل في معركة الشر، حتى ولو تعرض للإهانة، معتبرا أن التسامح في مثل هذه المواقف أفضل.
اظهار أخبار متعلقة
فماذا يفعل أحدنا لو تعرض للشر من غيره، وكتب عليه الإهانة من غيره، هل يتعامل بالتسامح والعفو، أم ينتفض لرد كرامته، وماذا أمر ديننا الحنيف في مثل هذه المواقف.
يقول الله تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ".
هذه الآية, فيها فرض القتال في سبيل الله, بعد ما كان المؤمنون مأمورين بتركه, لضعفهم, وعدم احتمالهم لذلك، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, وكثر المسلمون, وقووا أمرهم الله تعالى بالقتال، وأخبر أنه مكروه للنفوس, لما فيه من التعب والمشقة, وحصول أنواع المخاوف والتعرض للمتالف، ومع هذا, فهو خير محض, لما فيه من الثواب العظيم, والتحرز من العقاب الأليم, والنصر على الأعداء والظفر بالغنائم, وغير ذلك, على ما فيه من الكراهة { وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة, فإنه شر, لأنه يعقب الخذلان, وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله, وحصول الذل والهوان, وفوات الأجر العظيم وحصول العقاب.
نعم للتسامح والعفو لا للذل والإهانة
في هذه القضية الجماعية للمسلمين، قياسا على ما نتعرض له على مستوى الفرض، فقد أمر الإسلام بالتسامح والعفو، ولكن لم يأمر بالإهانة والذل، فشتان بين الموقفين، فقد يندفع الإنسان للتسامح وهذا أفضل حال لم يتعرض للإهانة، أو الذل، ولكن حينما يصل الأمر للدفاع عن الأعراض، كأن ترى زوجتك تتعرض للمعاكسة او التحرش مثلا في الطريق وأنت معها أو ربما يصل الأمر للتعدي باليد، فوقتها يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد".
وهذه الآيات التي ذكرناها عامة مطردة, في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة أنها خير بلا شك، وأن أفعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك.. فقد ترى أن الخير في البقاء على نفسك والحفاظ على حياتك، ولكن ما هو طعم الحياة وانت مكسور العين امام زوجتك وتشعر بفقدان كرامتك؟.
فالغالب على العبد المؤمن, أنه إذا أحب أمرا من الأمور, فقيض الله [له] من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له, فالأوفق له في ذلك, أن يشكر الله, ويجعل الخير في الواقع, لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه, وأقدر على مصلحة عبده منه, وأعلم بمصلحته منه كما قال [تعالى:] { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره, سواء سرتكم أو ساءتكم.
لذلك أوجب الله على المسلم القتال وهو يعرف أنه كره له، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
فالخير في الناس مصنوع إذا جبروا، والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا"، هكذا قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران في مطلع قصيدته "المواكب"، ليؤكد على حقيقة مفادها أن الأصل في الإنسان هو الشر، أما الخير فلا يقوم به الإنسان إلا عندما يبتغي من وراءه مصلحة ما.
فحينما نجد الشر قد جاء على أبوابنا ونحن لم نسعى إليه، فماذا عسانا ان نفعل، إما أن نواجه هذا الشر، وإما أن نستقبله مقهورين.
والشر يمكن أن يجعل الإنسان يفترس حتى أقرب الناس إليه، إذ تبقى مصلحته وأنانيته هي الدافع الأكبر الذي يحفزه لممارسة الشر، ومن أجل ذلك يمكن أن يرتكب كل الممكنات، فوقتها إن لم تدفع هذاالشر عن نفسك ستكون ضحية من ضحاياه دون مقابل.