سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صحابي جليل من العشرة المبشرين بالجنة كانت قياته للجيش الإسلامي في معركة القادسية من أهم المحطات في حياة هذا الفاتح الإسلامي العظيم .. كان خالا للنبي محمد صلي الله عليه وسلم حيث أن جده أهيب بن عبد مناف عم السيدة آمنة أم رسول الله عليه الصّلاة والسّلام
الصحابي الجليل رضي الله عنه ولد قبل بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام بتسعة عشر عاماً، حيث نشأ في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، وهذا ما أهله ليكون بارعاً في حياة الصيد والغزو، وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلي للإسلام، وهم: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله،
وقد ترددت روايات عديدة عن عمر سيدنا سعد رضي الله عنه عندما اعتنق الإسلام حيث كان يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً عند إسلامه، وكان ممن أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومن أوائل المهاجرين مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
سيدنا سعد بن أبي وقاص كان أول من رمى سهماً في سبيل الله، كما شهد غزوة أحد، وبدر، والخندق، وخيبر، وتبوك، وغزوة الفتح، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعتمد عليه في بعض الأعمال الخاصة، ومثال ذلك عندما أرسله مع علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضوان الله عليهم في مهمة استطلاعية عند ماء بدر، وفي صلح الحديبية كان سعد بن أبي وقاص أحد الشهود.
بل و شارك رضي الله عنه في عدة غزوات ومعارك بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام؛ حيث شهد دومة الجندل، وخرج مع أبي بكر الصديق إلى الأعراب الذين طمعوا بالمدينة بعد خروج جيش أسامة منها، كما شارك في معركة القادسية وتولى قيادة جيش المسلمين في بلاد فارس والعراق، وتمكن بقدرته القيادية من هزيمة الفرس في تلك المعركة.
وكان سيدنا سعد بن أبي وقاص يرتبط بعلاقات وثيقة مع أمّه حمنة بنت سفيان بن أميّة بنت عم أبي سفيان بن حرب بن أمية، وكثيرا ما دار ت بينهما حوارات رائعة حيث بادرت إلي مخاطبة نجلها سعد رضي الله عنه بالقول عندما سمعت عن إسلامه حيث قالت يا سعد لقد سمعت أنك أسلمت ودخلت في دين محمد الجديد ..فرد عليها سعد بالإيجاب وقال لها : نعم يا أمَّاه ..
وهنا حاولت الأم أن تمتص الصدمة وتتبني زمام المبادرة في مخاطبة أبنها حيث قالت : ولقد سمعتُ بأن محمدًا يأمركم بأن تكونوا طائعين لأمهاتكم ..فقال لها : نعم ..فقالت له : إذًا أنا أمُّك، وآمرك بأن تكفر بمحمدٍ وبآل محمد فقال لها : يا أمَّاه والله لا يكون ذلك، وحاولت معه، لكنَّه رفض طلبها ..
إصرار سيدنا سعد علي الإسلام لم يفت في عضد والدته رغم أنها رأتْ منه الإصرار وعدم الاستجابة لها، وهنا لجأت إلى وسيلة لم يشك أحدٌ في أنها ستهزم روحَ سعـد، وتردُّ عزمه إلى وثنية أهله وذويه ..حيث أعلنت أمُّه صومها عن الطعام والشراب، حتى يعودَسعد إلى دِين آبائه وقومه، ومضت في تصميم مُستميت تواصلُ إضرابها عن الطعام والشراب، حتى أشرفت على الهلاك ..
غير أن لجوءه إلي هذا السلاح القوي لم يجعل سعد يكترث ، أولا يبيعُ إيمانه ودينه بشيءٍ، حتى لو كان هذا الشيءُ حياة أمِّه ..ثم أخذه بعضُ أهله إليها؛ ليُلقي النظرة الأخيرة عليها
مؤمَّلين أن يرقَّ قلبه حين يراها في سكرات الموت وذهب سعد ورأى مشهد أمِّه يذيب الصَّخر، بيـد أن إيمانه بالله وبرسوله كان قد تفوَّق على كلِّ صخرٍ، وعلى كلِّ فولاذٍ.
وقد زاد الأمر إثارة وتشويقا عندما ذهب سيدنا سعد إلى أمِّه، وينظرُ إليها وهي في لحظاتها الأخيرة، فنظر إليها وأطال النظر، وظن أقرباؤه أنه سيتراجع عن إسلامه؛ لأن أمه ستموت، والله إنه لموقفٌ صعبٌ لا يثبت أمامَه إلا الصادقون.
وهنا لم يجد صاحب القادسية أمامه إلا الإقتراب من وجه أمِّه، وصاح بها لتسمعه : تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائةُ نفس، فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيءٍ، فكُلِي إن شئت أو لا تأْكُلي ..ومباشرةً يرجع إلى معلِّمه صلى الله عليه وسلم .
وبعد مفارقة منزل أمه عاد سيدنا سعد إلي الهادئ البشير صلي الله عليه وسلم وقبل أن يتكلَّم سيدنا سعدقال له المصطفى صلي الله ماذا فعلت مع أمِّك يا سعد ؟
لقد أنزل الله فيك قرأنًا يُتْلى إلى يوم القيامة : قال تعالى :" وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " "العنكبوت: 8".
سيدنا سعد بن أبي وقاص وبعد مسيرة طويلة في نصر الإسلام توفي رضي الله عنه في العام الخامس والخمسين للهجرة، وقيل عام ثمانية وخمسين، وكان يبلغ من العمر ثلاثاً وثمانين سنة، وهو آخر من توفّي من المهاجرين،وقبل وفاته أوصى رضي الله عنه بأن يكفّن في جبّتة الصوفيّة التي ارتداها يوم ملاقته للمشركين في غزوة بدر، وتوفّي في قصره بالعقيق، الذي يبعد عن المدينة عشرة أميال