كانت القيم ومكارم الأخلاق موجودة بقوة قبل الإسلام، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لكي أتمم مكارم الأخلاق".
فكانت مكارم الأخلاق وشخصية الرجل تتحلى بالصدق والكرم والوفاء وغيرها من الصفات الحميدة، ومن أروع ما روي في قصص الوفاء وتناقلته كتب الأدب ما ذكر عن حديث السموأل بن عاديا.
أصل القصة:
لما أراد امرؤ القيس الكندي المضي إلى قيصر ملك الروم أودع عند اليهودي السموأل بن عاديا دروعا وسلاحا وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة.
فلما مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل.
فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقها وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده، فأبى وقال: لا أغدر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء والواجب عليّ.
فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره، فدخل السموأل في حصنه وامتنع به، فحاصره ذلك الملك.
اظهار أخبار متعلقة
ذبح ابن السموأل:
وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك، فأخذه أسيرا ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل، فأشرف عليه من أعلى الحصن.
فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إلي الدروع والسلاح التي لامرىء القيس عندك رحلت عنك وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت. فقال له السموأل: ما كنت لأنقض ذمامي وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائبا.
واحتسب السموأل ذبح ولده وصبر محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرىء القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكروا السموأل في الأول.
حكايات وآداب:
1-قيل: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، ودوام عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وكثرة بكائه على ما مضى من زمانه.
2- ومن ذلك: أن الخليفة أبا جعفر المنصور سأل بعض بطانة هشام عن تدبيره في الحروب، فقال: كان رحمه الله تعالى يفعل كذا وكذا.
فقال المنصور: عليك لعنة الله تطأ بساطي وتترحم على عدوي؟ فقال: إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي، فقال له المنصور ارجع يا شيخ، فإني أشهد أنك لوفي حافظ للخير، ثم أمر له بمال، فأخذه، ثم قال:
والله لولا جلالة أمير المؤمنين وإمضاء طاعته ما لبست لأحد بعد هشام نعمة، فقال له المنصور: لله درك، فلو لم يكن في قومك غيرك لكنت قد أبقيت لهم مجدا مخلدا.