إذا جار السلطان انتشر الجور في البلاد وعمّ العباد فرقت أديانهم ونقصت مروءتهم، وقست قلوبهم وفشت فيهم المعاصي، وذهبت أماناتهم فضعفت النفوس وقنطت القلوب فضعفوا عن إقامة الحق فتعاطوا الباطل وبخسوا الكيل والميزان.
حكم وعبر:
1-قال وهب بن منبه: إذا عمل الوالي بالجور أو همّ به أدخل الله النقص في أهل مملكته من الزرع والضرع وكل شيء وكذلك إذا هم بالعدل أو عمل به أدخل الله البركة في أهل مملكته.
2- وقال عمر بن عبد العزيز: تهلك العامة بذنب الخاصة ولا تهلك الخاصة بعمل العامة، والخاصة هم الولاة وفي هذا المعنى قال الله تعالى :" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
3- وقال سفيان الثوري لأبي جعفر المنصور: إني لأعلم رجلا إن صلح صلحت الأمة قال ومن هو قال أنت.
الملك والبقرة:
4- قال ابن عباس رضي الله عنهما إن ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته مستخفيا فنزل على رجل له بقرة فراحت فحلبت له وزن ثلاثين بقرة فعجب الملك من ذلك وحدث نفسه بأخذها.
فلما راحت عليه من الغد حلبت على النصف فقال الملك ما بال حلابها انتقص أرعيت في غير مرعاها بالأمس فقال لا ولكن أظن أن ملكنا هم بأخذها فنقص لبنها فإن الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة فعاهد الله سبحانه في نفسه ألا يأخذها وراحت من الغد فحلبت حلاب ثلاثين بقرة فتاب الملك وعاهد ربه ليعدلن ما بقي.
اقرأ أيضا:
مواعظ مبكية بين عمر بن عبد العزيز والخليفة سليمانالمرأة والحديقة
ووقعت قصة بأرض المغرب، وذلك أن السلطان بلغه أن امرأة لها حديقة فيها القصب الحلو وأن القصبة الواحدة منها تعصر قدحا فعزم على أخذها منها ثم أتاها وسألها عن ذلك فقالت نعم ثم إنها عصرت قصبة فلم تعصر نصف قدح فقال لها أين الذي كان يقال فقالت هو الذي بلغك إلا أن يكون السلطان عزم على أخذها مني فارتفعت البركة منها.
فتاب السلطان وأخلص نيته لله تعالى ألا يأخذها أبدا ثم أمرها فعصرت قصبة فجاءت ملء قدح.
وذكر الإمام أبو بكر الطرطوشي في "سراج الملوك": وشهدت أنا بالإسكندرية والصيد بالخليج مطلق للرعية والسمك فيه يغلب الماء كثرة ويصيده الأطفال بقطع القماش البالية ثم حجره الوالي ومنع الناس من صيده فذهب السمك حتى لا تكاد توجد منه إلا الواحدة بعد الواحدة إلى يومنا هذا.
قال: وهكذا تتعدى سرائر الملوك وعزائمهم ومكنون ضمائرهم إلى الرعية إن خيرا فخير وإن شرا فشر.