الصبر أنواع، ومن أنواعه" الصبر على مخالطة الناس"، وقد يكون في اعتزالهم أجر، فكيف ومتى يكون الاختلاط والعزلة؟!
1-يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال: الجهاد في سبيل الله قال ثم ماذا قال رجل في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره.
2- وقال أحد الحكماء: على العاقل لزوم الاعتزال عن الناس عاما مع توقي مخالطتهم إذ الاعتزال من الناس لو لم يكن فيه خصلة تحمد إلا السلامة من مقارفة المأثم لكان حقيقا بالمرء أن لا يكدر وجود السلامة بلزوم السبب المؤدي إلى المناقشة.
3- وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : خذوا بحظكم من العزلة.
4- ورأى سفيان بن عيينة الإمام سفيان الثوري في المنام فقلت: له أوصني فقال: أقلّ معرفة الناس أقلّ معرفة الناس.
5- وقال المروروذي سمعت أحمد بن حنبل يقول: رأيت ابن السماك الواعظ يكتب إلى أخ له : إن استطعت أن لا تكون لغير الله عبدا ما وجدت من العبودية بدا فافعل.
فوائد وضوابط:
1-يقول الإمام الدرامي : العاقل لا يستعبد نفسه لأمثاله بالقيام في رعاية حقوق الناس والتصبر على ورود الأذى منهم ما وجد إلى ترك الدخول فيه سبيلا، لأنه إذا حسم عن نفسه ترك الاختلاط بالعالم والمخالطة بهم تمكن من صفاء القلب وعدم تكدر الأوقات في الطاعات.
يقول : وقد استعمل العزلة جماعة من المتقدمين مع العام والخاص معا.
2- وذكر ابن المبارك : زار الفضيل بن عياض داود الطائي فأغلق داود الباب وجلس فضيل خارج الباب يبكي وداود داخل البيت يبكي.
3- ورؤى إلى جنب مالك بن دينار كلب عظيم ضخم أسود رابض فقيل له يا أبا يحيى ألا ترى هذا الكلب إلى جنبك قال هذا خير من جليس السوء.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟ خلاصة القول:
يقول الإمام الدرامي: الذي ذهب إليه داود الطائي وضرباؤه من القرّاء من لزوم الاعتزال من الخاص كما يلزمهم ذلك من العام أرادوا بذلك عند رياضة الأنفس على التصبر على الوحدة وإيثار ضد الخلطة على المعاشرة، فإن المرء متى لم يأخذ نفسه بترك ما أبيح له فأنا خائف عليه الوقوع فما حظر عليه.
وأما السبب الذي يوجب الاعتزال عن العالم كافة فهو ما عرفتهم به من وجود دفن الخير ونشر الشر يدفنون الحسنة ويظهرون السيئة.
فإن كان المرء عالما يدعوه وإن كان جاهلا عيروه وإن كان فوقهم حسدوه وإن كان دونهم حقروه وإن نطق قالوا مهذار وإن سكت قالوا عيي وإن قدر قالوا مقتر وإن سمح قالوا مبذر فالنادم في العواقب المحطوط عن المراتب من اغترّ بقوم هذا نعتهم وغرّه ناس هذه صفتهم.
ويقول أيضا: والعاقل يعلم أن البشر مجبولون على أخلاق متباينة وشيم مختلفة فكل واحد يحب اتباع مساعدته وترك مباعدته فمتى رام من أخيه ضد ما وطن نفسه عليه هجره، وإذا تبين له منه خلاف ما أضمر عليه قلبه ملّه ومن الملال يكون الاستثقال ومن الاستثقال يكون البغض ومن البغض تهيج العداوة.