للأسف عمّ مجتمعنا هذه الأيام، سلوك أصبح عادة ملازمة لأغلب الناس إن لم يكن جميعهم، وهو الشك في نوايا الآخرين.. فترى أحدهم يقول للناس (السلام عليكم) فيظنون من فورهم أنه يقولها لأجل مصلحة ما، وترى إحداهن تحذر أخرى فتشك أنها تريد أمرًا من وراء هذا التحذير.. فهل أصبحت كل الناس بالفعل تستحق الشك فيها؟.. أم أننا أصبحنا نبتعد عن سلوك الإسلام القويم، الذي يمنع مثل هذه الشكوك، لأن النوايا لا يعلمها إلا الله عز وجل.
قديمًا قالوا إن حسن الظن في الناس من حسن الفطرة، وأن سوء الظن من سوء الفطنة، فهل أصبحنا جميعًا أو أغلبنا سيئي الفطنة؟.. وهل بات علينا العودة عن هذا السلوك السيء، أم أن الأمر أصبح متفشيًا لدرجة صعوبة العودة عنه؟.
اظهار أخبار متعلقة
التربية الصحيحة
لو عدنا بالخلف قليلاً، سنجد أن أول حديث تعلمناه في المدرسة الابتدائية، كان ما رواه أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نَوى؛ فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يَنكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، فمن تربى جيدًا على هذا الحديث لا يمكن إلا أن يعامل الناس بمنتهى حسن الظن، لأنه يعلم يقينًا أن النيات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وأن ليس له إلا ما ظهر، وعليه فإنه يتصرف على ما يحدث أمامه ويترك للغيب لصاحب الغيب وهو الله عز وجل.. من يجعل هذا الحديث الشريف منطلقًا لحياته، فإنه يمضي في طريقه، لا سيما إذا قصد في مشيه وجهَ الله تعالى، وهو سبحانه الذي سيحاسب الإنسان في النهاية، وهو سبحانه وحده الذي يعلم النوايا.
الأصل عند الناس
لا يجوز لامريء ما أن يعبث في مقاصد الناس ويفسر أعمالهم بموجب تصوره هو، حتى لو كان هناك غالبية الناس يعتبرون أن من يصدق الناس إنما هو ساذج، فإنها ليست بسذاجة، وإنما هي يقين وثقة في الله عز وجل، خصوصًا أن الظن قد يؤدي إلى كوارث ووقيعة بين الناس دون يقين، لذلك ترى المولى عز وجل يقول لنا في كتابه الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ » (الحجرات: 6)، وبالتالي يجب أن يكون المقياس في هذا كله هو الإيمان بالله تعالى؛ فكلما قوي الإيمان بالله ضعف سوء الظن بعباده، وبالتالي ارتاح الناس، وأراحوا غيرهم من تتبع مقاصدهم، وبناء أفعالهم على سوء الظن.