هي أصعب اللحظات لاشك.. لحظات القبر الأولى مرعبة، إذ يسمع قرع نعال محبيه وهم عنه مدبرون، ثم فزع دائم أو أمان دائم، فاللهم أمان دائم لنا ومن نحب..
فالميت يسمع ما يقال حول قربه، لكنه لا يمكنه الرد أبدًا، فإن كان خيرًا عنه استأنس به، وإن كان شرًا والعياذ بالله، زاد من كبوته، والدليل على ذلك حديث خطاب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين بعد أن تركهم ثلاثة أيام، حيث قال: « يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، فسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال: يا رسول الله ! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا ، وقد جيفوا ؟ فقال : والذي نفسي بيده ، ما أنت بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا . ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر».
وحشة كبيرة
للقبر وحشة وضمة كبيرة لو سمع صوت من فيه لاهتزت الدنيا بما فيها، وصدق الخليفة الراشد سيدنا عمر بن عبدالعزيز حين قال لبعض جلسائه يومًا: «يا فلان، لقد بت الليلة أتفكر في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاث في القبر، لاستوحشت من قُربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتًا تجول فيه الهوام، ويجري فيه الصديد، وتخترقه الديدان، مع تغير الرائحة، وبلى الأكفان، بعد حسن الهيئة، وطيب الريح، ونقاء الثوب، ثم شهق شهقة خر مغشيًا عليه».
تخيل المشهد، واعلم يقينًا أنك ستمر به يومًا، فإن كان عملك طيبًا لكان قبرك كريح الورد، ولمد الله بصرك فيه لآخر مد، واستقبلك الملكين بأحسن ما يكون، بينما لو كان العكس، لضممت ضمة يرعب منها الجن والإنس، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن سعد بن معاذ رضي الله عنه حين توفي: «هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك ، لقد ضم ضمة ثم أفرج عنه».
اقرأ أيضا:
"المدينة المنورة" استقبلت النبي مهاجرًا .. ماذا تعرف عن فضلها؟أعجب منظر
لو تخيلت عزيزي المسلم، كيف يكون شكل الميت بعد دفنه، لعجبت كثيرًا، لأنه أعجب مما تتخيل، أو يتخيل البشر كلهم، فهذا رجل دخل على الخليفة الراشد سيدنا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، فتعجب من تغير صورته لكثرة الجهد والزهد والعبادة، فقال له عمر: «يا فلان، لو رأيتني بعد ثلاث، وقد أدخلت قبري، وقد خرجت الحدقتان، فسالتا على الخدين، وتقلصت الشفتان عن الأسنان، وانفتح الفم، ونتأ البطن فعلا الصدر، وخرج الصلب من الدبر، وخرج الدود من المناخر، لرأيت أعجب مما تراه الآن».