الثابتون على الحق.. هؤلاء الذين اختصهم الله مهما تعرضوا لأذى، ومهما بلغت تضحياتهم، إلا أنه يتمسكون بالحق كما يتمسك الرجل بجمرة من النار في كف يده، ومع ذلك لا يشعرون بأي حريق أو تعب، لأنهم يدركون أنهم لله وإلى الله.
وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: « تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه».
فتن الدنيا
عزيزي المسلم، مهما كثرت عليك فتن الدنيا، ومهما كانت المغريات، ومهما كانت التضحيات، اثبت على الحق، ولا تجزع ولا تتسرع، واعلم يقينًا أن الله معك أينما كنت، وأنه يعلم بما يحل بك ويحدث لك، ولن يتركك أبدًا وحدك، لأنه ببساطة مهما حدث لك لا يمكن أن يكون مثل ما حدث لأصحاب الأخدود، الذين لم ترهبهم النار ذات الوقود، وغير ذلك من حديث الثابتين في القرآن الكريم، ليأتي التعليق بالحكمة من ذلك قائلاً: « وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ » (هود: 120).
وهذا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم تعرض لكل المؤامرات، ووصف بأنه شاعر، وبأنه والعياذ بالله (مجنون)، إلا أنه ثبت على الحق، قال تعالى: « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » (لأنفال: 30)، فلما رأى صحابته الكرام ثباته عليه الصلاة والسلام ثبتوا لثباته في حياته وبعد مماته.
اقرأ أيضا:
من ومضات شهر المحرم وفضائله.. كيف تلتمس النجاة كما التمسها موسى؟لا للاستعجال
من أهم الأمور التي تجعل المسلم يقع من ثباته، هو الاستعجال، فلو صبرنا لبرهة، لكان خيرًا لنا، فعن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟ قال: « كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ».