عجبًا لأمر هؤلاء الذين يمشون بالشكوى بين الناس، ويدعون الفقر والعوز والحاجة، وربما كانوا غير ذلك، وقد منحهم الله الكثير، لكن أعماهم الطمع والجشع، وكانت الدنيا مبلغ علمهم وأكبر همهم، ونسوا قول نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: «ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له».. انظر لهذا الحديث العظيم، واتعظ عزيزي المسلم، واعلم أنما الدنيا دار فناء، وليست أبدًا بدار بقاء، ومن كان يتصور أنه خالدًا فيها، فأين هم من كانوا قبله، ممن ملأوا الأرض أطماع وقصور.. إلى هؤلاء ألم تسمعوا قول أبي فراس الحمداني: «فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب. وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب. إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب»، فكيف بكم تخربون ما بينكم وبين ربكم طمعًا في إعمار ما بينكم وبين الناس!.
الشغل بالدنيا
للأسف في زماننا هذا مسلمون، يصبحون ويمسون وأكبر همهم وأعظم مقاصدهم هي الدنيا فقط، فهي الشغل الشاغل لهم، وهم فيها متبعون لشهواتهم وأهوائهم، متناسين أن الله يراهم، وأن الدنيا لو لم تكن فانية، لدامت لغيرهم!.. ومن كان على هذا الحال «جعل الله فقره بين عينيه»، فلا يشعر بالغنى أبدا لأنه مهما زادت عنده الدنيا فهو غير راض ولا قانع، وبهذا يصير الشعور بالفقر والحاجة حالة ملازمة له لا ينفك عنها ولا تنفك عنه، لأن الغنى غنى النفوس، ومثل هذا تراه دائما لا يشعر بما أنعم الله تعالى عليه مهما عظمت النعم، وتراه متطلعا إلى ما عند الآخرين فيصبح في هم دائم، وقد فرق الله عليه شمله.. ونسوا قول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (فاطر:5).
اقرأ أيضا:
من ومضات شهر المحرم وفضائله.. كيف تلتمس النجاة كما التمسها موسى؟متاع الغرور
إنما الدنيا لمن يعلم حقيقتها، هي متاع الغرور وفقط، نعيم ضعيف زائل لا يستحق كل هذا العناء، ففي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: « يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت يدك شغلا ولم أسد فقرك».. و«عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى العالية فمر بالسوق فمر بجدي أسك ميت فتناوله فرفعه ثم قال بكم تحبون أن هذا لكم قالوا ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به قال بكم تحبون أنه لكم قالوا والله لو كان حيا لكان عيبا فيه أنه أسك فكيف وهو ميت قال فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».