يوضع الإنسان في مواقف كثيرة تجعله لا يستطيع التحكم في أعصابه، وقد تخرج منه بعض الكلمات غيظًا وغضبا فيتورط بسببها في أمور هو في غنى عنها.
ومن يتأمل يجد أن الغضب وراء كل شر بينما الحلم والتحلم والصبر لا يجني من ورائه إلا الخير ولذا أمرنا الله تعالى بالصبر وحثنا عليه، كما أمرنا بكظم الغيظ والعفو عن الناس قال تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس..."..
الغضب يؤثر على أجهزة الجسم:
ولقد تكلم علماء النفس في أثر
الغضب على النفس والمضار التي تصيب الإنسان إذا نفد صبره وأكدوا أن الإنسان يصاب في هذه الحالة بآلام تؤثر على كفاءة أجهزة الجسم ومن هذه الأمراض التي يصاب بها كثير اغضب أمراض القلب، اضطرابات النوم، ارتفاع ضغط الدم، مشاكل في الجهاز التنفسي، صداع الرأس، فالغضب يزيد من توسع الأوعية الدموية في الرأس وزيادة تدفق الدم فيها، مما يؤدي للإصابة بالصداع الحاد، كما يعاني كثير الغضب شديد لانفعال بالسكتة الدماغية حيث يعيق إمدادات الدم إلى جزء من الدماغ، وهذا يمكن أن يحدث في حالات قليلة من الغضب الشديد، تأثيرات سلبية على الجلد، وما يعاني منه أيضا سريع الغضب أنه يؤثر في ويسبب الالتهابات الجلدية، والصدفية وغيرها من أمراض الجلد.
النهي عن الغضب:
و
الغضب لما كان أمر يحدث لا إراديًا فإن الإنسان مكلف فقط بضبط النفس ومجاهدة التسرع في الانفعال في الغضب وذلك بالأخذ بالوسائل المشروعة لكي يملك نفسه عند غضبها، وقد ثبت في الصحيح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغضب، وقوله مرارا لمن استوصاه: لا تغضب. وقد اختلف الشراح في توجيه هذا النهي الكريم، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْله: "لَا تَغْضَب" اِجْتَنِبْ أَسْبَاب الْغَضَب، وَلَا تَتَعَرَّض لِمَا يَجْلِبهُ، وَأَمَّا نَفْس الْغَضَب فَلَا يَتَأَتَّى النَّهْي عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْر طَبِيعِيّ لَا يَزُول مِن الْجِبِلَّة.
وَقَالَ غَيْره: مَا كَانَ مِنْ قَبِيل الطَّبْع الْحَيَوَانِيّ لَا يُمْكِن دَفْعه، فَلَا يَدْخُل فِي النَّهْي؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَكْلِيف الْمُحَال، وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيل مَا يُكْتَسَب بِالرِّيَاضَةِ فَهُوَ الْمُرَاد.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا تَغْضَب؛ لِأَنَّ أَعْظَم مَا يَنْشَأ عَنْهُ الْغَضَب الْكِبْر؛ لِكَوْنِهِ يَقَع عِنْدَ مُخَالَفَة أَمْر يُرِيدهُ، فَيَحْمِلهُ الْكِبْر عَلَى الْغَضَب، فَاَلَّذِي يَتَوَاضَع حَتَّى يَذْهَب عَنْهُ عِزَّة النَّفْس يَسْلَم مِنْ شَرّ الْغَضَب.
وقيل: معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب، وَقَالَ ابْن حِبَّان بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ: أَرَادَ لَا تَعْمَل بَعْد الْغَضَب شَيْئًا مِمَّا نَهَيْت عَنْهُ، لَا أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ شَيْء جُبِلَ عَلَيْهِ وَلَا حِيلَة لَهُ فِي دَفْعه. انتهى.
والحاصل أن على الشخص أن يجاهد نفسه ليدفع عنها أسباب حصول الغضب، وأن يتحلم ما وسعه ذلك، فإذا غلبته نفسه وغضب، فعليه أن يملكها ويقهرها، ولا يُمضي ما يأمره به غضبه.
علاج الغضب:
هناك عادة طريقتان أساسيتان للتعبير عن المشاعر والعواطف، إما الطرق السلبية أو الإيجابية، فمن الطرق السلبية
الغضب الشديد وتكسير بعض الأثاث والضرب، وربما تعادي بعض الممنوعات، أو الحبوب أو التفكير بالانتحار.
ومن الطرق الإيجابية، الحديث المباشر مع الشخص المباشر عن الموقف، وبعض الهوايات المفيدة كالرياضة والمشي والرسم والكتابة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية من جبال وبرّ وبحار.
والإنسان أمامه الاختيار بين الطريقين، وأحيانا عندما نهمل أنفسنا، فقد نجد أنفسنا ننساق وراء الطرق السلبية للتعبير عن عواطفنا، فنشعر بالندم والحزن؛ فالنهي عن الغضب إذا هو نهي عن مطاوعة النفس في حال هيجان القلب واشتعاله بالغضب، فيقدم الإنسان على قول أو فعل ما لا يجوز له، أو ما قد يندم عليه بعد ذلك، وهذا هو أصلح ما يكون في دفع الهم والغم على الإنسان في عاجل أمره وآجله؛ إذ إن الواقع المشاهد يدل على ما لإنفاذ
الغضب ومطاوعة النفس من آلام نفسية، وآثار سيئة يندم عليها الغاضب كثيرا بعد زوال غضبه، وربما لم يستطع إصلاح ما جناه عليه غضبه فيجلس في ضيق وهم؛ لا يقارن بما لو كظم غيظه وكبح جماحها، وكل الخير والعافية في اتباع كلام الله كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة مراد الله ورسوله والعمل به.
ثم لا يلزم من إنفاذ غضبك، أن يكون ذلك بالرد على من أغضبك، بانتقام، أو سب، أو ضرب، أو نحو ذلك، بل بإمكانك أن تصرف طاقتك في رياضة مفيدة، أو عمل نافع.