كان الماء جزءًا من المعجزات الشهيرة لأنبياء الله، إسماعيل عليه السلام وهو طفل صغير، وموسى عليه السلام، ومع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فأما الأولى فحادثتها مشهورة حينما كان ترك نبي الله إبراهيم زوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل، في الجزيرة العربية، واشتد على الطفل الصغير العطش، بعدما نفد الماء مع أمه، وظلت هاجر تبحث عن الماء بين الصفا والمرة، كلما خيل لها الماء من بعيد، حتى أرهقها البحث، فجلست تناجي ربها، والعطش يكاد أن يفتك بها وبرضيعها، حتى ضرب برجله الصغيرة من شدة العطش على الأرض وهو يصرخ، فانجرت من تحت قدميه الماء، وفاضت، حتى قالت هاجر للماء " زمي زمي" فسميت ببئر زمزم.
أما الحادثة الثانية فهي للنبي صلى الله عليه وسلم، حينما نبع من بين أصابعه الشريفة، ونقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: ” نبع الماء من بين أصابعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى عليه السلام بالعصا فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم “.
وكان لهذا المعجزة أثر واضح في زيادة قوة إيمان الصحابة، بالأخص أنهم كانوا في ظروف صعبة وسبب ذلك يرجع إلى صراعاتهم مع أهل الباطل من الكفار واليهود والمنافقين.
فكانت تلك معجزة النبي صلى الله عليه وسلم التي اختلفت في كرامتها عن باقي معجزات الأنبياء، لتكون خير دليل وحجة على التأييد الإلهي للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقد كان لهذه المعجزة دور هام في إنقاذ المؤمنين عدة مرات من خطر الموت ظمئاً في مواسم القحط ومواطن الشح من المياه في الصحاري والقفار، فكانت وقائع المعجزة غوث إلهي وقف عليه الصحابة بأنفسهم، وسجلوا شهاداتهم على سجلات التاريخ.
وفي رواية ابن مسعود في الصحيح: (ولقد رأيتُ الماء ينبعُ من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
اقرأ أيضا:
فقه الدعاء.. كلمات انتقل بها النبي من الأرض إلى السماءحقيقة القصة
ذكر الإمام السيوطي معاني نبع الماء من بين أصابعه فقال في شرحه لصحيح مسلم : ” قيل معناه أن الماء كان يخرج من نفس أصابعه وينبع من ذواتها، وقيل معناه : إن الله كثَّر الماء في ذاته ، فصار يفور بين أصابعه لا من ذاته ، والأول قول الأكثرين “.
و روى الإمام البخاري عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قصة نبع وفيضان الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر مع أصحابه في أيام شديدة الحر، فعطش المؤمنين، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم رجلين إلى مكان معين، وأخبرهم أنهما سوف يجدان امرأة تحمل الماء على راحلتها، وأمرهما بأن يقومان بإحضار تلك المرأة، فلما رجع الرجلان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الماء الذي بحوزتهم وسقى به كافة الناس والماء على حاله لم يقل حتى، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنا لم نأخذ من مائك شيئاً ولكن الله سقانا )، ثم كافأها عليه الصلاة والسلام وأعطاها شيئاً من الطعام الذي كان بحوزة الجيش، وهذا الأمر كان سبباً في دخولها هي وقومها في الإسلام، رواه البخاري.
وروي أبو قتادة رضي الله عنه تفاصيل القصّة التي حدثت له ولأصحابه مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا على طريق سفر وكان عددهم سبعة رجال، ولم يكن معهم من الماء ما يكفي حتى يتوضؤوا، وكان مع أبي قتادة رضي الله عنه القليل من الماء، فأعطاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتوضّأ به، فعندما انتهى الرسول عليه الصلاة والسلام من وضوئه طلب منه أن يحتفظ بما تبقى من الماء ، وأخبره أنه سيكون له شأنٌ، ولما اشتد ظمأ الناس أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة رضي الله عنه أن يأتي بالماء المتبقي معه فجعل عليه الصلاة والسلام يسقي الناس الماء حتى اكتفوا، ولم يبق غيره صلى الله عليه وسلم وغير أبي قتادة رضي الله عنه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اشرب )، قال: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله ، فرد عليه: ( إن ساقي القوم آخرهم شربا ) رواه مسلم.
وروى عبد الله بن مسعود قال: ” كنا نَعُد الآيات بَركة، و أنتم تَعُدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقَلَّ الماء، قال عليه الصلاة والسلام: اطلبوا لي فضلة من ماء. فأدخَل يده في الإناء وقال: حَيّ على الطَّهور المبارك، والبركة من الله ويقول ابن مسعود: لقد رأيتُ الماء ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم، و لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل “، رواه البخاري.
وكانت شهادة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما على ما حدث يوم الحديبية، فقال: ” عطش الناس يوم الحديبية والنبي – صلى الله عليه وسلم – بين يديه ركوة- إناء من جلد-، فتوضأ، فجهش-يعني : أسرع- الناس نحوه، فقال: ( ما لكم؟ ) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، و توضأنا ” ولما سئل جابر رضي الله عنه عن عددهم في ذلك اليوم قال ” لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة ” متفق عليه، واللفظ للبخاري.