يتهاون بعض الناس في ألفاظهم وفي هذه الآونة ونظرا للطرفة الإلكترونية الهائلة أصبح الأطفال يكتسبون مصطلحات غريبة ويرددون كلمات قد لا يفهمونها ومن ثم ضاعت الكثير من الأسس والمبادئ وأصبح التعامل بين الشباب صعبا ويحتاج لإعادة تنظيم.
ومما سبق به الإسلام في هذا الاتجاه أنه أحاط الجميع بسياج واق من الحماية التي تجعلهم يفكرون في الكلمة قبل أن ينطقون حيث أعلمهم أن الكلمة لها خطورتها وإنما ينطقه المرء يحاسب عليه ولا بد من التفكير في العواقب وبهذا فإن الإسلام حمى المجتمع بطل فئاته كبار وصغارا شبابا وفتيات من الانزلاق في المهاوي.
صيانة الإسلام للكلمة:
ومما راعاه الإسلام حفاظا على الكلمة أنه ضبط حتى المزاح وجعله لا يكون إلا بالصدق وحذر من المزاح بالكذب ففي الحديث: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنهم قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا.
ولا يشكل على هذا ما جاء في سنن البيهقي وغيرها أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حزام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان دميما، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه في السوق فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني من هذا؟ فلما عرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم جعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال يا رسول الله: إذاً والله تجدني كاسدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد.
حفظ الكلمة من صفات المتقين:
كما بين أن التهاون في مثل هذا الكلام ليس من خصال المتقين، وينبغي للمسلم أن يتحفظ في منطقه، ويحرص على اختيار كلماته، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل معاذاً على أبواب الخير من الصوم والصدقة وقيام الليل، وعلى رأس الأمر وهو الإسلام، وعموده وهو الصلاة، وذروة سنامه وهو الجهاد، ثم يقول له: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فيقول: بلى يا نبي الله. فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ويقول: "كف عليك هذا" فيقول معاذ: يا نبي الله؛ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وصححه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم. رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "لا يلقي لها بالا" أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئا، وهو من نحو قوله تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}.
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: ويحتمل أن يكون في التعريض بمسلم بكبيرة، أو بمجون، أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك.