الحياة داخل القصور، تختلف عن خارجها، كل شيء له حساب، وليس هذا وليد اللحظة أو بروتوكولات العصر الحديث، لكنها وجدت منذ أن وجدت الدول والمالك.
الحسن بن علي ومعاوية:
وضع بين يدي الحسن بن علي رضي الله عنهما، دجاجةً، ففكها، فنظر إليه معاوية، فقال: هل كان بينك وبينها عداوة؟ فقال له الحسن: هل كان بينك وبين أمها قرابة؟.
سؤال وإجابة:
هذا الكلام الذي دار بينهما قد أثار قلب كل واحدٍ منهما.. ومعاوية لم يقل هذا القول، لأنه كان يعظم عليه قدر الدجاجة.
فكيف يكون ذلك، وهو يكتب إلى أطرافه وعماله، ولى زيادٍ بالعراق بإطعام السابلة، والفقراء، وذوي الحاجة؟ وله في كل يومٍ أربعون مائدة يتقسمها وجود جند الشام؟
ولكن علم أن من حق الملك توقير مجلسه وتعظيمه، وليس من التوقير والتعظيم مد اليد، وإظهار القرم، وشدة النهم، وطلب التشبع بين يدي الملوك وبحضرتها. وعلى هذا كانت ملوك الأعاجم من لدن أردشير بن بابك إلى يزدجرد.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟شره القضاة:
يقال إن سابور ذا الأكتاف، لما مات موبذان ، وصف له رجل من بلدة إصطخر، يصلح لقضاء القضاة في العلم والتأله والأمانة. فوجّه إليه، فلما قدم، دخل عليه، ودعا بالطعام إليه، فدنا، فأكل معه، فأخذ سابور دجاجةً فنصفها، ووضع نصفها بين يدي الرجل، ونصفها بين يديه، ثم أومأ إليه أن كل من هذه، ولا تخلط بها طعاماً، فإنه أمرأ لطعامك، وأخف على معدتك.
وأقبل سابور على النصف، فأكل كنحو ما كان يأكل، ففرغ الرجل من النصف، قبل فراغ سابور، ثم مد يده إلى طعام آخر، وسابور يلحظه.
فلما رفعت المائدة، قال له: ودع وانصرف إلى بلدك. فإن آباءنا وسلفنا من الملوك، كانوا يقولون: من شره بين يدي الملك إلى الطعام، كان إلى أموال الرعية والسوقة والوضعاء أشد شرهاً، فلم يستكفه على ما كان أحضره له.
بروتوكولات الملك وضيوفه على المائدة:
1-من حق الملك أن لا يرفع أحد إليه طرفه، إذا أكل، ولا يحرك يده معه في طبق.
2- ومن قوانين الملك أن توضع بين يدي كل رجلٍ طبق، فيها كالذي بين يدي الملك من طعام غليظٍ أو دقيقٍ أو حارٍ أو قار، ولا يخص الملك نفسه بطعام دون أصحابه، لأن في ذلك ضعةً على الملك، ودليلاً على الاستئثار.
3- ومن حق الملك أن لا يغسل أحد بحضرته يديه من خاصته وبطانته، إلا أن يكون معه من يساويه في الجاه، والعز، والبيت والولادة.
4- ومن العدل أن يعطي الملك كل أحد قسطه وكل طبقةٍ حقها، وأن تكون شريعة العدل في أخلاقه كشريعة ما يقتدي به من أداء الفرائض والنوافل التي تجب عليه رعايتها والمثابرة على التمسك بها.
5- وليس أخلاق الملوك كأخلاق العامة، وكانوا لا يشبهون في شيء.. وإنما تحسن كثرة الأكل مع الصديق والعشير والمساوي في منازل الدنيا من الرفعة والضعة.. فأما الملوك، فيرتفعون عن هذه الصفة، ويجلون عن هذا المقدار.
6- ومن حق الملك، إذا رفع يديه عن الطعام، أن ينهض عن مائدته كل من كان عليها، حتى يواروا عنه بجدارٍ أو حائلٍ غيره، فإن أراد الدخول، كان ذلك بحيث لا يرون قيامه، وإذا أراد القعود لهم، دخلوا إليه بإذن ثانٍ.
7- ومن قوانين الملك أن يكون منديل طعامه كمنديل وجهه، في النقاء والبياض، وأن لا يعاد إليه إلا أن يغسل أو يجدد.